مخاوفنا وخياراتنا في مواجهة الحياة

طاقة أمل بانفراج قريب وعودة تدريجية للحياة تلوح بالأفق، بعد أن طال أمد الحجر الصحي الذي فرض علينا واقعا غريبا وجدنا أنفسنا مجبرين على التكيف معه دون خيارات.اضافة اعلان
لم يكن سهلا علينا أبدا الانسحاب من حياتنا الصاخبة التي تعوّدنا على وقعها السريع اللاهث دون لحظة هدنة، إلى حياة أخرى هادئة، رتيبة، بطيئة، حد الضجر.
حاولنا التكيف مع هذا الوضع الجديد، معظمنا نجح في ذلك مع اختلافات شاسعة بيننا في درجة التقبل، البعض تناول الأمر بإيجابية اضطر إلى استدعائها أحيانا كثيرة عندما كانت تتسلل إليه مشاعر الوحدة عبر الصمت الموحش. لكن الغالبية لم يفوتوا فرصة للتعبير عن استيائهم وشعورهم بالاختناق من هذه العزلة الإجبارية.
العامل المشترك الأبرز بين هذين الفريقين غير المتكافئين -من ناحية العدد على الأقل- كان القلق من القادم. ثمة سؤال ما انفك يدور في ذهن الجميع.. كيف ستكون حياتنا بعد هذه الأزمة؟
المخاوف كثيرة وأوجهها متعددة، أكثرها بالتأكيد من نصيب مستقبل الأحوال الاقتصادية سواء على مستوانا كأفراد أو على مستوى الاقتصاد الوطني الذي سينعكس بالتأكيد على المستويات كافة.
سيحملنا ذلك دون اختيار مرة أخرى للتكيف مع نمط جديد للحياة، نضطر فيه إلى إعادة ترتيب أولوياتنا والتخلي عن كثير منها في سبيل إيجاد آلية تمكننا من البقاء في مواجهة الأزمات طويلة الأجل التي ستتدحرج تباعا بعد أن نستفيق من صدمة الوباء ونعود لاستكمال الحياة تحت وطأة تبعاته.
ثمة مخاوف أخرى لا تخطر على بال كثيرين، لكنها تؤرق شريحة واسعة من الآباء والأمهات لا سيما كبار السن منهم، تتمثل في فقد ما استردوه خلال الحجر الصحي مجددا.
لقد وجد هؤلاء في فترة الحجر وحظر التجوال ما كانوا يتلوعون لحرمانهم منه. الإجراءات التي وصفها كثيرون بالقاسية منحتهم فرصة اللقاء بأبنائهم الشباب الذين كانوا بالكاد يدخلون البيت للنوم في آخر ساعات الليل.
كثيرون شعروا بالغربة عن منازلهم وصالات الجلوس فيها بادئ الأمر، لكنهم مع الوقت أدركوا حجم الدفء الذي تخلوا عنه في بعدهم عن بيوتهم وعن أنفاس والديهم.
صار الآباء أكثر تفهما لرغبات الأبناء وأهوائهم، وتنبه الأبناء إلى كثير من احتياجات الآباء التي كانت غائبة عنهم تماما. أكسبتنا التجربة رغم شدة قساوتها خبرات كثيرة لم نكن لنختبرها لولا هذا الإيقاع الغريب الذي فرضه الوباء على حياتنا. لكن انحسار الوباء أو ربما التعايش معه للأبد سيفرض إيقاعا قد يكون أكثر غرابة وربما أشد قساوة.
علينا أن نتفاءل، حسنا، لكن الأهم من ذلك أن نكون أكثر ذكاء في التعامل مع النمط الجديد للحياة، لقد أرغمنا على التكيف مع الواقع المفروض علينا مرات كثيرة خلال فترة زمنية مكثفة، ماذا لو قررنا أن نختار نحن بعضا من جوانب نمط حياتنا الجديدة؟
اكتشفنا خلال فترة الحجر مثلا أن المحبين بإمكانهم الانتقال إلى عش الزوجية بكامل فرحة العروسين دون حفل زفاف وولائم، وأن اجتماعنا في بيت العائلة بعد أسابيع من البعد القسري جراء حظر التجول أكثر دفئا من سهرات المقاهي وجلسات المطاعم الفارهة.
علمتنا التجربة أن حضنا صادقا ممن نحب أثمن بكثير من الهدايا الجافة مها بلغ ثمنها، وأن الاستثمار في ثقة الأبناء ورضا الآباء لا يقل أهمية عن ادخار بعض المال ذخرا للمستقبل.
لا يمكننا أن نرمي مخاوفنا بحجر كبير ونمضي، ثمة أشياء لم نعرفها من قبل ستهبط علينا من حيث لا ندري وسيصبح اسمها الواقع، ولكن سيظل بإمكاننا دائما تشكيل كثير من الظروف وفق اختياراتنا. فلنختر أن نكون أكثر انحيازا لإنسانيتنا في مواجهة هذه الحياة.