مختارات من الأدب الصغير لعبد الله بن المقفع (2-2)

ماذا يجب على المرء:
ليكن المرء مسؤولاً، وليكن فصولاً بين الحق والباطل، وليكن صدوقاً ليؤمّن على ما يقول، وليكن ذا عهد ليوفى له بعهده، وليكن شكوراً ليستوجب الزيادة، وليكن جواداً ليكون للخير أهلاً، وليكن رحيماً بالمضرورين لئلا يبتلى بالضر، وليكن ودوداً لئلا يكون معدناً لأخلاق الشيطان، وليكن حافظاً للسانه مُقبلاً على شأنه لئلا يؤخذ بما لم يجترِم، وليكن متواضعا ليُفرح له بالخير ولا يحسد عليه، وليكن قنعاً لتقرّ عينه بما أوتي، وليُسرَّ للناس بالخير لئلا يؤذيه الحسد، وليكن حذراً لئلا تطول مخافته، ولا يكونن حقوداً لئلا يضر بنفسه إضراراً باقياً، وليكن ذا حياء لئلا يُستذمّ إلى العلماء. فإن مخافة العاِلم مذمة العلماء أشد من مخافته عقوبة السلطان.


اضافة اعلان

لا ينبغي للمرء أن يُعتد بعلمه ورأيه ما لم يذاكره ذوو الألباب ولم يجامعوه (يوافقوه) فإنه لا يستكمل علم الأشياء بالعقل الفرد. (ولعمري أن هذا ما يقوم به العلماء اليوم بمراجعة الزملاء / الأقران لأبحاث بعضهم البعض).


ومن العلم أن تعلم أنك لا تعلم بما لا تعلم. (وهو ما أردده حين أقول: إذا كان العلم بحراً فإن التياسة (الجهل) محيط).


من أفضل البرّ ثلاث خصال: الصدق في الغضب، والجود في العسرة (التبرع)، والعفو عند المقدرة.


رأس الذنوب الكذب.


لا يثبت دين المرء على حالة واحدة أبداً، ولكنه لا يزال إما زائداً أو ناقصاً.


حق على العاقل أن يتخذ مرآتين، فينظر من إحداهما في مساوئ نفسه فيتصاغر بها ويصلح ما استطاع منها، وينظر في الأخرى في محاسن الناس، فيحليهم بها ويأخذ ما استطاع منها.


وقرّ من فوقك، ولِن لمن دونك، وأحسِن مؤاتاة أكفائك.


لا تُؤاخين خَبّاً (مخادعاً)، ولا تستنصرنّ عاجزاً، ولا تستعيننّ كِسلاً.


من حاول الأمور احتاج فيها إلى ست: العلم، والتوفيق، والفرصة، والأعوان، والأدب، والاجتهاد.


من أشد عيوب الإنسان خفاء عيوبه عليه. فإن من خفي عليه عيبه خفيت عليه محاسن غيره، ومن خفي عليه عيب نفسه ومحاسن غيره فلن يقلع عن عيبه الذي لا يعرف ولن ينال محاسن غيره التي لا يُبصر أبداً.


قارب عدوك (الشخصي) بعض المقاربة، تنل حاجتك، ولا تقاربه كل المقاربة، فيجترئ عليك وتذلّ نفسك، ويرغب عنك ناصرك. ومثل ذلك مثل العود المنصوب في الشمس، إن أملته قليلاً زاد ظلّه، وإن جاوزته الحد في إمالته، نقص الظل.


ما التبع والأعوان والصديق والحشم إلا للمال، ولا يظهر المروءة إلا المال. ولا الرأي ولا القوة إلا بالمال (وكأن ابن المقفع يعيش في العصر الرأسمالي والاستهلاكي اليوم).


وليس من خلّة هي للغني مدح إلا هي للفقير عيب، فإن كان شجاعاً سُمّي جباناً، وإن كان جواداً سُمّي مفسداً، وإن كان حليماً سُمّي ضعيفاً، وإن كان وقوراً سُمّي بليداً، وإن كان لَسِناً سُمّي مهذاراً، وإن كان صموتاً سُمّي عيياً.
دار مكتبة الحياة – بيروت – لبنان - 1987