مختارات من الأدب الصغير لعبد الله بن المقفع: ت 142هـ - 759م

حسني عايش*

توفي عبد الله بن المقفع سنة 759م، ولا معرفة لدينا عن تاريخ ولادته. وهو مفكر ومؤلف عربي اللسان من أصل فارسي. لقب أبوه بالمقفع لأنه اتهم باختلاس مال الخراج فتقفعت يده، بمعنى تشنجت.
أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور والي البصرة بقتله لأسباب سياسية. وكان الوالي يكرهه فاغتاله وأماته شرّ ميتة. ومن هذه الأسباب العهد الذي كتبه باسم أبي جعفر المنصور لإعطاء أمان لمتمرد عليه، الذي جعل انفكاك أبي جعفر المنصور منه صعباً جداً عليه. ومن الروايات أنه سمّه. فلما كان خارجاً من عنده "مدروخاً" نتيجة السم، ناداه أبو جعفر المنصور قائلاً: إلى أين أنت ذاهب يا ابن المقفع؟ فرد عليه: للمكان الذي أرسلتني إليه. فقال له: سلم لي على والدي. فرد عليه: ليست طريقي إلى النار.
له من الكتب التي وصلت إلينا؛ كتاب "كليلة ودمنة" العظيم الذي ترجمه إلى العربية، وكتابا: "الأدب الصغير" و"الأدب الكبير" اللذان اخترت لهما لك ما يلي:
أمارة صحة العقل اختيار الأمور بالبصر، وتنفيذ البصر بالعزم لأن طالب الفضل بغير بصر تائه حيران، ومبصر الفضل بغير عزم ذو زمانة (عاهة) محروم.


اضافة اعلان

جُلّ الأدب بالمنطق، وجل المنطق بالتعلّم.


أما اعتقاد الشيء بعد استبانته، فهو ما يُطلبُ من إحراز الفضل بعد معرفته.


وأما الحفظ والتعهد، فهو تمام الإدراك، لأن الإنسان موكّل به النسيان والغفلة. فلا بد له إذا اجتبى صواب قول أو فعل من أن يحفظه عليه ذهنه لأوان حاجته.


ليس غذاء الطعام بأسرع في نبات الجسد من غذاء الأدب (الثقافة) في نبات العقل.


العاقل يتوقّى عاجل اللذات طلباً لآجلها، ويحتمل قريب الأذى توقياً لبعده.


على العاقل مخاصمة نفسه ومحاسبتها والقضاء عليها والإثابة والتنكيل بها.


زعم بعض الأولين أن صحبة بليد نشأ مع العلماء أحب إليهم من صحبة لبيب نشأ مع الجهال.


على العاقل أن لا يستصغر شيئاً من الخطأ في الرأي، والزلل في العلم، والإغفال في الأمور، فإنه من استصغر الصغير أوشك أن يجمع إليه صغيراً وصغيراً، فإذا الصغير كبير… ولم نر شيئاً قط إلا قد أوتي من قبل الصغير المتهاون به.


وعلى العاقل أن يعرف أن الرأي والهوى متعاديان، وأن من شأن الناس تسويف الرأي وإسعاف الهوى. وعلى العاقل إذا اشتبه عليه أمران فلم يدر في أيهما الصواب أن ينظر أهواهما عنده، فيحذره.


من نصب نفسه للناس إماماً في الدين، فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه وتقويمها في السيرة والطعمة (وجه الارتزاق والكسب) والرأي واللفظ والأخدان، فيكون تعليمه بسيرته أبلغ من تعليمه بلسانه… ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال والتفضيل من معلم الناس ومؤدبهم.


ولاية الناس بلاء عظيم. وعلى الوالي أربع خصال هي أعمدة السلطان وأركانه التي بها يقوم وعليها يثبت: الاجتهاد في التخيّر (في اختيار الوزراء والموظفين)، والمبالغة في التقدم (معرفة وجوه الأمور والأعمال)، والتعهد الشديد (الإلتزام)، والجزاء العتيد (الثواب والعقاب).


أشد الفاقة عدم العقل، وأشد الوحدة وحدة اللجوج (شدة الخصومة)، ولا مال أفضل من العقل، ولا أنيس آنس من الاستشارة.


القسْم الذي يُقسمُ للناس ويمتعون به نحوان: فمنه حارس ومنه محروس، فالحارس هو العقل، والمحروس هو المال.


إذا كنت لا تعمل من الخير إلا ما اشتهيته، ولا تترك من الشر إلا ما كرهته، فقد أطلعت الشيطان على عورتك، وأمكنته من رُمتّك (حَبْلك من الحبْل).


فصل ما بين الدين والرأي، أن الدين يسلم بالإيمان، وأن الرأي يثبت بالخصومة، فمن جعل الدين خصومة، فقد جعل الدين رأياً، ومن جعل الدين رأياً فقد صار شارعاً (مشرعاً)، ومن كان هو يشرّع لنفسه الدين فلا دين له.


المنافسة أخت العداوة.


العلم زين لصاحبه في الرّخاء، ومنجاة له في الشدّة.


بالأدب (الثقافة) تعمر القلوب، وبالعلم تستحكم الأحلام (العقول).
دار مكتبة الحياة - بيروت – لبنان - 1987