مختارات من النثر الصيني الكلاسيكي.. إصدار جديد عن مؤسسة الفكر العربي

20190708T135715-1562583435057577900
20190708T135715-1562583435057577900

بيروت -الغد- يواصل مشروع "حضارة واحدة" في مؤسّسة الفكر العربي، ترجمة روائع الأعمال الصينية إلى العربية، وذلك بالتعاون مع خبراء صينيّين في التدريس والبحث والترجمة. ويندرج الكتاب الجديد "مُختارات من النثر الصيني في أسرتَيْ تانغ وسونغ"، لمؤلّفيه هان يوي وليو تسونغ يوان وغيرهما، وتعريب البروفسورة تشي مينغ مين (ليلى)، في إطار هذا المشروع، ويحتوي الكتاب على 41 نصّاً نثرياً مميّزاً من فترة حُكم أسرتَي تانغ (618 م-907 م) وسونغ (960 م – 1279 م) المَلكيّتيْن في الصين. اضافة اعلان
في تلك المرحلة، وتحديداً في عصر أسرة تانغ الذي امتدّ إلى نحو 300 سنة، بلغت الصين ذروة تطوّرها الحضاري، وامتدّ نفوذها إلى شبه الجزيرة الكورية في شمالها الشرقي، وهضبة بامير في شمالها الغربي، وأراضي منغوليا كلّها في شمالها، وشبه جزيرة الهند الصينية في جنوبها، حتى أصبحت دولة كبرى موحّدة تُضاهي الدولة العبّاسية في عهدها الذهبي حينذاك.
في خلال هذه الفترة، برزَ نحو ستّين شاعراً كبيراً، خلّفوا ما يُقارِب خمسين ألف قصيدة، في حين أضاف النثر إلى أنواعِه القديمة، مثل الوثائق البلاطية، والرسائل الديوانية، والنصوص التذكارية والمنوّعات، أنواعاً أخرى جديدة تمثّلت في السّيَر والرحلات والأمثال والروايات. ولم يقتصر الأمر على تزايُد الأجناس الأدبية وأنواعها، بل شمل هذا الثراء الأنماط الكِتابية لجهة أساليبها وبنيانها وتراكيبها. فتحرّر النثر مثلاً من السّجع والأوزان والمحسّنات التي أسرته في دائرة النخبة والقصور والمُناسبات لأكثر من ألف سنة.
والكِتاب الجديد هذا يجمع مُختارات غنيّة ومنوّعة من نَثر تلك المرحلة، عائدة لأعلام كِبار مثل "هان يوي" و"ليو تسونغ يوان" (عهد الإمبراطور ده تسونغ لأسرة تانغ الملكيّة 742م -805 م)، أبرز مؤسّسي حركة النثر الكلاسيكي في تاريخ الأدب الصيني؛ تلك الحركة التي قامَت بالتوازي مع نظرية جديدة سُمّيت "النظرية النقدية الكلاسيكية"، أسّست تقليداً جديداً للنثر الصيني، أسهَم في كَسر القيود القديمة، وفي التخلّي عن التصنّع والتكلّف في الكِتابة، وقامت على عناصر مهمّة، لخّصها هان يوي بالجهد الشخصي للمُبدِع، وابتداع الجديد عوضاً عن التقليد والمُحاكاة، والتفنُّن في الكلام الذي يجب أن يُراعِي الواقع، والبُعد عن الإطناب.
وقد أدّى بروز أديب صيني كبير مثل "أويانغشيو"، سُمّي بـ"أديب الأُدباء"، الذي أحيا تعاليم هان يوي وليو تسونغ يوان، إلى انقلابٍ داخل التيّار النثري، آزرته جماعة من الأدباء مثل "تسنغ قونغ" و"وانغ آن شي" و"كُتّاب سو الثلاثة" (الأب وولداه في عائلة "سو")، ما أسهم في ولادة تيّار نثري جديد، سيَعثر القارئ العربي على نَماذِج منه في هذا الإصدار الجديد.
لا شكّ في أنّ هذا الكِتاب هو خيرُ ناقلٍ للإبداعات النثرية في تاريخ الصين القديم، ويشكّل إضافة نوعية بسبب التميّز الإبداعي لنصوصه المُنتقاة. تجدر الإشارة إلى أنّ النصوص التي جَمعها الكِتاب، تُرجِمت منذ مئات السنين إلى عددٍ من اللّغات الآسيوية مثل اليابانية والكورية، وأُدخلت كمواد تعليمية في المَناهج المدرسية. غير أنّ الميزة الأهمّ للكِتاب، هي أنّه ينقلنا إلى صلب ثقافة الصين ويُطلعنا بعُمق على "حِكمة الشرق" التي لطالما تردّد الكلام عليها غرباً وشرقاً.
يفتح هذا الإصدار مرّة أخرى نافذة ثقافية جديدة للقرّاء العرب، يُمكنهم عبرها أن يتعرّفوا إلى التفكير الفلسفي والنهج التواصلي للفلاسفة والحُكماء والأدباء الصينيين في زمن أسرتَي تانغ وسونغ، فضلاً عن أذواقهم الجمالية ومدى اهتمامهم بالتأمّل في جوهر الحياة والوجود. والإصدار بمخزونه الثريّ هذا، يتيح للقرّاء العرب مزيداً من الاكتشاف لحِكمة الصين وقِيَمها الروحية الأثيرية التي يُمثّلها هؤلاء المُبدعون.
لقد حرصت المترجِمة، البروفسورة تشي مينغ مين، من جامعة الدراسات الأجنبية في بكين، وبالتعاون مع البروفسورة تشانغ هونغ يي (زاهِرة) التي قامت بمُراجَعة النصّ، على التعريف بجميع الكتّاب الذين شملتهم المُختارات النثرية، وعلى إيراد المُلاحظات في المَتن والهوامِش لشرح معنىً ما أو تقديم خلفية معيّنة، فضلاً عن إيراد أسماء الأعلام الأصلية باللّغة الصينية، خدمة للدارسين والباحثين في الأدب الصيني أو التاريخ الصيني.
ومؤسّسة الفكر العربيّ هي مؤسّسة أهليّة دوليّة مستقلّة، ليس لها ارتباط بالأنظمة ولا بالانتماءات السياسيّة أو الحزبيّة أو الطائفيّة. التزمت المؤسّسة منذ إنشائها في العام 2000 بتنمية الاعتزاز بثوابت الأمّة ومبادئها وقيمها، وبتعزيز التضامن العربيّ والهويّة العربيّة الجامعة، المُحتضنة لغنى التنوّع والتعدّد، وذلك بنهج الحريّة المسؤولة.