مختصون قلقون لتراجع القراءة في "أمة اقرأ"

نصيب كل مليون عربي في القراءة لا يتجاوز 30 كتابًا، مقابل 854 كتابًا لكل مليون أوروبي سنويا وفق منظمة اليونسكو - (أرشيفية)
نصيب كل مليون عربي في القراءة لا يتجاوز 30 كتابًا، مقابل 854 كتابًا لكل مليون أوروبي سنويا وفق منظمة اليونسكو - (أرشيفية)

منى أبوحمور

عمان- قلق كبير وتخوف شديد انتاب خبراء ومحللين بعد إحصائيات نشرتها منظمة “اليونيسكو” أظهرت تراجعا كبيرا في معدلات القراءة بالعالم العربي؛ حيث تشير إلى أن نصيب “كل مليون عربي لا يتجاوز 30 كتابا، مقابل 854 كتابا لكل مليون أوروبي سنويا”.
ويصل معدل قراءة الشخص العربي، وفق الإحصائيات التي نشرت مؤخرا، ربع صفحة في السنة مقابل معدل قراءة كبير للفرد الأميركي الذي يصل إلى 11 كتابا، والمواطن البريطاني 7 كتب في العام الواحد، كما يصدر العالم العربي كاملا نحو 1650 كتابا سنويا، بينما تنتج الولايات المتحدة وحدها ما يقارب 85 ألف كتاب سنويا.
هذا التراجع الكبير للقراءة في الوطن العربي أثار مخاوف المهتمين الذين يخشون من أن تصبح أمة اقرأ لا تقرأ، مرجعين تلك الإحصائيات إلى مجموعة من العوامل التي أثرت وبشكل مباشر في ما وصل إليه العرب.
“جملة من الأسباب جعلت أمة اقرأ لا تقرأ”، وفق مساعد الأمين العام لشؤون الثقافة في وزارة الثقافة الدكتور أحمد راشد، الذي يحيل بعضها إلى أن قضية التربية والتعليم وما تقوم به المدارس في المرحلة الحالية “لم تعتمد” على إعطاء الطلبة فرصة للبحث وانتهجت أسلوب التلقين، الأمر الذي ساعد على إنشاء جيل لا يبحث ولا يقرأ.
وتغيب عن التعليم، بحسب راشد “المطالعة”، وهو ما كان موجودا منذ زمن بعيد في المدارس؛ حيث كانت تتيح للطلبة قراءة الكتب، في حين أصبحت البحوث والتقارير المطلوبة الآن من الطالب مصدرها الإنترنت، حتى ان المعلم لا يبذل جهدا في قراءتها، فضلا عن أن قضية البحوث في الجامعات “لا تأخذ الأهمية الكافية، خصوصا وأنها تحتاج إلى قراءة وبحث”.
“عدم وجود اهتمام رسمي من الدول العربية بالشعب المثقف وإن كان فهي محدودة”، أحد أهم الاسباب لعدم الإقبال على القراءة، بحسب راشد، الذي يشير إلى وجود وسائل إعلامية طغت على قضية القراءة، فأصبح الإنترنت مادة مقروءة ولكنها تستخدم عكس ذلك، فضلا عن أن الكتاب بالنسبة لبعض دور النشر “وسيلة للربح، ما يجعل أسعار الكتب المرتفعة ليست من ضمن اهتمامات المواطن العربي”.
من جانبه، يشير اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة، إلى أن القراءة كانت “ثقافة سائدة لدى الجميع قديما، فكان الكتاب رفيقا لكل شخص”، متابعا “أما الآن فلم يعد هناك اهتمام بالعلم والقراءة وأصبح المواطن مشغولا بمجاراة المظاهر الاجتماعية وموجة التغيير التكنولوجي”.
ويشير مطارنة إلى أن المواطن العربي “بات يلهث وراء الاكتفاء المادي وإشباع رغبته في تأمين لقمة عيشه ومجاراة المظاهر الاجتماعية التي تطغى على جميع اهتماماته”، لافتا إلى أن المجتمع الآن أصبح ماديا، فأصبحت قراءة الكتاب “مضيعة للوقت حيث يرون أن الوقت الذي سيقرأون فيه ربما يقضونه في عمل يدر عليهم ربحا”.
ويؤكد مطارنة “أن ثقافة الغنى والمظاهر الشكلية هي ما يسعى العربي لتحقيقه، في حين أن الإنسان الغربي يقرأ في كل مكان في السيارة، الطيارة وحتى في فراشه”، منوها إلى أن قلة إقبال العربي على القراءة تعود إلى “السياسات العامة التجهيلية في الوطن العربي التي لا تهتم بالقراءة والنظام التربوي القائم على التلقين وغياب القراءة، فينشأ الطفل في بيت لا يقرأ”.
ويبين مطارنة أن المواطن العربي وسط هذه الإحباطات النفسية المتكررة يبحث عن ذاته في أشكال مختلفة بعيدا عن القراءة والكتاب وأصبحت القراءة للأشخاص “الفاضيين”.
ويتابع أن وسائل التكنولوجيا التي أغرق فيها الطفل العربي أبعدته عن القراءة فأصبح يشغل وقت فراغه بـ”الوتس اب” و”بلاي ستيشن” وكرة القدم، وهي تنفيس للإحباط الذي يعيشه المواطن العربي وذلك من خلال سلوكيات غير مفيدة أبدا.
بدوره، ينوه اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين محادين، إلى أن القراءة المتراكمة تبني موقفا لدى القارئ وتوسع مداركه وتسهم في إنضاج هويته وبالتالي القراءة عموما تساوي موقفا مخالفا للسائد أحيانا، لا سيما وأن أصحاب القرار “هم الذين يفكرون ويقررون وتصبح قراراتهم فرض كفاية”.
ويشير محادين إلى أن هذا الأمر أوصل العربي إلى إحساس مفاده أنه “لا جدوى من القراءة والتفكير مع الواقع “الراكد”، في حين أن أصحاب القرارات والفكر المتقدم “لا يستشارون في اتخاذ القرار وكأن الجهد المبذول في القراءة عبثي”.
ويجد محادين أن أولويات الحياة ومتطلباتها المادية وتأمين لقمة العيش كلها “عوامل مريحة ما دامت مؤسسات المجتمع الصورية تتخذ القرارات نيابة عن المواطنين وتلزمهم بها”، على اعتبار أنها صاحبة سلطة وكونها تعتقد أنها تعرف أكثر من الناس في مصالحهم، وهو ما بدا واضحا، وفق محادين “في ملامح الربيع العربي التي صورت استبعادا اجتماعيا وسياسيا للجماعات المثقفة”.
ويعيش العرب، بحسب محادين، على فتات القراءة؛ لأنه يشعر أنها سلعة “ليست ذات فائدة مباشرة رغم ارتفاع التعليم”، الأمر الذي جعل الناس “أقرب إلى البساطة والعفوية، خصوصا وأن المواطن العربي ليس لديه فصل واضح بين أوقات العمل والأوقات الحرة فكلها متداخلة بصورة تعبر عن ضعفه”.
الاختصاصية التربوية الدكتورة مي شبر، تشدد على أن القراءة “عادة كباقي العادات التي يعتاد الإنسان القيام بها منذ الطفولة المبكرة وتبقى تلازمه طيلة حياته”، مشيرة إلى أهمية دور الأسرة في جذب ترغيب أبنائهم في القراءة في عمر العامين.
وتجد شبر أنه لابد أن يكون هناك نموذج حقيقي في المنزل يقتدي به الأبناء في الإقبال على القراءة مثل الأب والأم، فإذا اعتاد الطفل على رؤية والديه يقرآن فإن ذلك يكبر معه فينشأ على حب القراءة.
ولا يقع اللوم في عدم الإقبال على القراءة على الأسرة وحدها، بحسب شبر، وإنما تلعب المدرسة دورا كبيرا في تنمية الطالب وتعويده على القراءة وذلك من خلال دروس التربية المكتبية، مشيرة إلى “تقصير” المنظومة التعليمية في هذا الجانب.
وتؤكد شبر ضرورة أن يرتاد الطلبة المكتبة المدرسية بواقع حصة في الجدول الرسمي وتشجيع الطلبة على القراءة والمطالعة من خلال إقامة المسابقات وتكريم الطلبة الذين يقبلون على المطالعة.
أما الجانب الآخر المؤثر في “احتضار” عادة القراءة، فتحيله شبر إلى “انتشار الفضائيات ومتابعة البرامج الاستهلاكية التي تركز على القضايا الترفيهية والفنية”، فضلا عن “انغماس الأطفال العرب بالتكنولوجيا والألعاب الإلكترونية بعيدا عن انتشار ثقافة القراءة وإيلاء الكتاب أهميته في التثقيف والتعليم”.
ويبين راشد جهود وزارة الثقافة في التشجيع على القراءة، وذلك من خلال مشروع مكتبة الأسرة الأردنية التي تقيم مهرجان القراءة للجميع على مدار سبع سنوات متتالية عرض من خلالها 300000 كتاب للصغار والكبار بخمسة وثلاثين قرشا، وهو ما أسهم “مساهمة كبيرة جدا في انتشار القراءة وتوفير مادة معرفية بأسعار زهيدة جدا”.

اضافة اعلان

[email protected]

 munaabuhammour@