مخدرات "غير سياسية" في الجامعات

 

لم يكن إقرار رئيس الوزراء أمام مجلس النواب بوجود مشكلة تعاطي المخدرات في المملكة صادماً قدر ما يشير إلى جرأة افتقدتها حكومات سابقة حول هذه الآفة الخطيرة.

اضافة اعلان

حينما مارست مؤسسات رسمية ووسائل إعلام تخدير المجتمع بأننا دولة ممر وعبور فقط، وليست دولة مستهلكة، هذا الواقع الذي تدل عليه الأرقام الرسمية التي أخذت تجد طريقها للرأي العام يوضح أنّ المشكلة آخذة في النمو بشكل يدعو لوضع الأيدي على القلوب والعقول معا. يبدو واضحاً أن أكثر فئات المجتمع هشاشة وضعفا أمام هذه الآفة هم الشباب، ومن دون شك، فإنّ الجامعات تشكل البيئات الرخوة والأكثر جاذبية لانتشار المخدرات.

ومن دون الخوض في الأرقام الرسمية والأخرى التي يرددها الناس حول مدى انتشار التعاطي بين طلبة الجامعات، فإننا في حقيقة الأمر أمام مشكلة ترتبط بالأمن الاجتماعي للمجتمع الأردني يتركز جُل خطورتها في المؤسسات التعليمية، وإذا ما آمنا بالرواية الرسمية بأن المشكلة في بداياتها فإن المعركة الحقيقية في الوقاية والمكافحة يجب أن يكون ميدانها الجامعات.

 لا نريد أن نكرر المضمون الدعائي الرخيص الذي يردده البعض، كلما وقعت مشكلة أو فساد يمس قطاعا في الدولة أو فئة من المجتمع بأن الكشف عن ذلك يُسيء لهذا القطاع أو لتلك في الخارج. فقد حان الوقت لبناء سمعة وصور ذهنية نابعة من فهمنا نحن للمصالح الوطنية أي بناء القوة من الداخل وليس السمعة التي ترتجف أمام كل حادثة وتغلف الحقائق بمساحيق زائفة.

 إدارات الجامعات التقليدية وعمادات شؤون الطلبة التي انشغلت على مدى سنوات طويلة بالاسترخاء والسكوت عما يدور حولها مرة بادعاء الانشغال بمكافحة (المخدرات السياسية) وإنكار حق الطلبة بالتعبير وممارسة حياتهم الجامعية، ومرة بالاسترضاء والمهادنة، هذه الإدارات تتحمل الجانب الأكبر من المسؤولية، إلى جانب مؤسسات الدولة الأخرى.

 وحتى لا نذهب بعيداً فمشكلة انتشار المخدرات منتشرة في الجامعات والمؤسسات التعليمية في معظم الدول المحيطة بنا، وتعترف بها تلك الدول وتتعامل معها على هذا الأساس. في العام الماضي نشر المجلس القومي للأمومة والطفولة في مصر أن (15%) من طلبة الجامعات المصرية يتعاطون المخدرات، وفي لبنان تشير الأرقام إلى نحو ضعف هذا الرقم، وفي سورية ودول الخليج العربي يتكرر المشهد.

 في جلسة جانبية قبل أسبوعين، وضمن إحدى الفعاليات التقيت بمجموعة من الطلبة من ثلاث جامعات أردنية، ما صدمني هذه المرة هو مستوى ما أصبح لديهم من (ثقافة المخدرات)، وقبل أن يذهب بكم الخيال بعيداً، ليس المقصود المعرفة أو الوعي الوقائي حول هذه الآفة، بل ثمة ثقافة طلابية تشكلت وسط هذا المجتمع الشبابي، ولدى الجنسين، ثقافة صادمة أنتجها الطلبة أنفسهم تحمل منظومة رمزية وأخرى اتصالية حول كل ما يتعلق بهذه الظاهرة. خذ على سبيل المثال أنواع المخدرات، وما يطلق عليها من أسماء أطلقها المجتمع الطلابي وتعارف عليها (قلب الأسد، نانسي عجرم، بطاقة، وصلة، عدس....الخ)، ومعرفة أخرى في الأوزان والأحجام وحشيش أشقر أفغاني وأسمر مصري.

من بين حوالي (60) طالبا وطالبة في قاعة المحاضرة، رفع حوالي (45) طالبا وطالبة أيديهم تأييداً بأن المخدرات أصبحت مشكلة خطيرة في جامعاتهم، بينما كان أصدق تعليق من طالبة (أنها في متناول اليد)؛ في حين كان أكثر التعليقات جرأة إعلان احد الطلبة بأن سعر الحبة وصل اليوم (1.25) دينار!

 يعترف الطلبة بكل جرأة وبساطة بوجود التسويق والترويج داخل الجامعات وكليات المجتمع والبيئات المحيطة في الجامعات، وبوجود التعاطي المتنامي وسط هذا المجتمع وبوجود شبكات للترويج، والأمر الصادم الآخر أن انتشار التعاطي والترويج بين الطالبات في مساكنهن بشكل واسع، مما يجعل مساكن الطالبات بؤرة خطيرة، تبدأ القصة بالحبة والسيجارة الأولى والثانية مجاناً ثم تتدحرج البقية.

مطلوب الاعتراف بحجم المشكلة في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، وعلى أساس ذلك وضع خطة جادة للوقاية والمكافحة تنسجم مع ما يحدث وما يجب أن يحدث على المستوى الوطني.

المطلوب أن تلعب عمادات شؤون الطلبة الأدوار الحقيقية لها في رعاية طلبتها وتوفير أسباب أمنهم الاجتماعي. للأسف تغيرت البلاد كثيراً، وما تزال عمادات شؤون الطلبة في جامعاتنا بذات الذهنية التقليدية تبحث عما تدعيه من "مخدرات سياسية"!

 [email protected]