مخيم جرش: جندية.. أربعينية تسخر نفسها منذ 15 عاما لخدمة المسنين

300
300

عبد الرحمن زين العابدين

جرش – لم يكن مسعاها الحصول على لقب "أم المسنين"، حين سخرت جل وقتها لرعاية وخدمة كبار السن في مخيم جرش، المعروف بـ"مخيم غزة".اضافة اعلان
منذ 15 عاما وجندية الدهيني، متفرغة تماما وبلا كلل أو ملل لمتابعة أحوال المسنين في المخيم، ترعاهم وتتابع أوضاعهم الصحية، بل وتنظف أجسادهم المتعبة، وتساعد في صيانة منازلهم المتهالكة، ليطلق عليها كثيرون وصف "قنديل مخيم غزة".
المسنون "المنسيون" في المخيم بلا معونة وطنية أو تأمين صحي، بسبب فقدانهم لامتياز الرقم الوطني، ما فاقم أوضاعهم المعيشية والصحية حتى بات منهم من يتمنى أن يجد راحته "في دار الآخرة أفضل من دار الفناء".
بدأت قصة الأربعينية، الدهيني، خلال تطوعها في مركز المرأة في المخيم. وقتها وبعد زيارات عديدة لإحصاء عدد السكان، شد انتباهها وجود شريحة كبيرة من المسنين يعيشون لوحدهم بلا دعم رسمي أو معيل أسري "لا ولد يؤنسهم ولا بنت ترعاهم"، حسب ما تقول.
لم تتردد الدهيني في تشكل مجموعة تطوعية تضم 10 فتيات، تجندهم في العمل التطوعي لزيارة المسنين واطعامهم والقيام بتنظيف مساكنهم بشكل يومي.
وشهد العام 2007 نقطة تحول في جهود الناشطة الدهيني، بعد أن وافقت جمعية شمس الأردن الفرنسية، على دعم المسنين لمدة ثلاث سنوات، من خلال تأمين الوجبات الغذائية وتنظيم رحلات ترفيهية وتوعوية لهم في مركز المرأة في المخيم.
"فرحتي لم تكتمل فقد توقف المشروع الفرنسي وغادرت الجمعية الأردن، وأخذت معها أحلام المسنين وغذائهم وأدويتهم وكسوتهم"،بحرقة شديده تقول الدهيني مضيفة لـ"الغد" أن عدد المتطوعين تناقص، حتى "أصبحت منذ العام 2010 أقوم لوحدي برعاية المسنين ودعمهم معنويا".
منذ ثلاثة أشهر فقط ، وبعد ان أرهقها العمل لوحدها، ضمت مشروعها في خدمة المسنين إلى مركز التأهيل المجتمعي في المخيم، فـ"انتعش المسنون قليلا "، حسب قول الدهيني، التي تشرح "تمكنت من تقديم الرعاية الاجتماعية والخدمات الصحية ضمن الإمكانيات المادية المتواضعه للمركز".
لكنها توضح أن ليس لدى المركز "ميزانية مخصصة لخدمة المسنين، وظلت جهود شخصية وتطوعية تقدم لأكثر من 100 مسن في المخيم".
"لو أن كل شخص يتبرع بنصف دينار يوميا تخصص لخدمة واحد من المسنين، سيتمكن المركز من الارتقاء بخدماته لهم"، مناشدة المسؤولين باصدار إعفاء طبي لمسني مخيم غزة، فمنهم من قضى نحبه والمركز يبحث لهم عن تأمين صحي أو إعفاء طبي.
من بين زقاق المخيم وجدرانه، تروي الدهيني قصصا عايشتها مع مسنين "تتفطر لها القلوب". الثمانينية ام حسين (اسم مستعار) تتقاسم وحدتها مع حلمها برؤية ولدها الذي يعيش في "قطاع غزة بفلسطين" ولا يستطيع القدوم إليها، مما أثر على حالتها النفسية والصحية حتى وصفها الاطباء بـ"الخطرة".
واضطرت الدهيني أن تعمل جسرا بينها وبين ابنها، بأن تدفع بأحد شباب المخيم إلى أن يتكلم معها عبر الهاتف على أنه ولدها، حتى تشعر بالراحة وتتعافى من الحالة النفسية الصعبة، إلى تمكنت الدهيني مع الصليب الأحمر من إصدار جواز سفر لها، وساعدوها في الوصول إلى ولدها في قطاع غزة، قبل أن تفارق الحياه في احضان ابنها واحفادها.
"الغد" زارت عددا من منازل المسنين برفقة الناشطة الدهيني، وكانت تجاعيد وجه كل واحد منهم تعكس قساوة الفقر والحرمان. أغلبهم يعيشون في منازل تحت أسقف من "الزينكو" وبيوت أخرى شبه مهجورة. منظرها أقرب إلى "الكهوف" وجدرانها مشققة تتسلل إليها رطوبة وعفونة خضراء، تملأ رائحتها صدورهم، وأبواب مخلعة وغرفة واحدة ومطبخ خال من أدواته وبعض فتات الطعام متناثره هنا وهناك.
السبعينية أم إبراهيم التي زارتها "الغد"، ما تزال تعيش مع والدتها الطاعنة في السن، والتي يقدر عمرها بـ100 عام. وهي من "معمرات المخيم".
أم إبراهيم عاشت يتيمة بعد أن توفي والدها وهي طفلة لا تتجاوز الـ10 سنوات ربتها أمها وبقيتا وحدهما طيلة هذه السنوات تساندان بعضهما بعضا لا يوجد ابن ولا معيل ولا معونة ولا تأمين.
ولا يختلف الوضع الاجتماعي للسبعينية أم جواد عن بقية المسنات فهي أرملة، ليس لديها أولاد وتعيش في غرفة و"الرطوبة" تعانقها من كل الجهات، إضافة إلى معاناتها من المرض.