مدخل اقتصاد للمعدمين

 

معاريف – شلومو افينري

في الاجيال الاخيرة ثار أناس في العالم على الدين اليهودي، كونهم رأوه تعبيرا مرادفا للبطالة وعدم العمل، فبدل أخذ المبادرة يتجه الشخص نحو أعلى، واثقا ان خلاصه سيأتي من هناك ويرى نفسه معفيا من أي مسؤولية.

اضافة اعلان

لا نستطيع ان نقول ان بعض هؤلاء الثائرين ليسوا على حق، وإن يكونوا قد بالغوا في رسم كاريكاتيري مشوه، ولم يعرفوا التمييز بين التوراة نفسها واولئك الذين يرفعون رايتها على نحو جزئي.

من المحقق ان الايمان لا يستدعي التبطل وعدم المسؤولية بل الاجتهاد والبطولة والجدية. على أي حال لنعترف أنه حتى هذا الوضع المتراخي يوجد فيه سمو ما، مع جميع نقائصه، لأن الانسان متصل آخر الأمر بالسماء.

يختلف الأمر عندما يعمل الإنسان عملا غير مسؤول آخذا بالقول وحده إن الأمر سيكون على ما يرام. ماذا نعني بذلك؟ في الجهات الخاصة أو البلدات التي تدخل مغامرات اقتصادية، مؤمنة بأن كل شيء سيكون على ما يرام، واذا ما دفعت الى ضائقة والعياذ بالله، فإن الدولة الأم ستهتم بها: تلغي الديون، وتدفع الديون وتخفف الديون، وكل شيء يقع في نصابه بسلام. نرى الكثير جدا من المصانع التي تأخذ اعتمادا باهظ الثمن صدورا عن حماس ونشوة وعدم فحص جدي. وكذلك بلدات تعاونية، ترفع مستوى الحياة اكثر من استطاعتها، وعندما تسوء حالها تصرخ أنقذونا.

هناك مكان للجدل: أيفضل الاقتصاد الحرام الاقتصاد الموجه، وكيف لا نستطيع ان نعدل نقائص الطريقتين معا؟

يقوم كل واحد بما يخطر في باله مهتما بمصلحته الذاتية وبغير حساب للمصلحة القومية، لكن في زمن الضيق تكون الدولة هي المسؤولة، وليس الافراد والمؤسسات والمصانع والبلدات. من المفهوم ضمنا اننا لا نترك انسانا بغير خبز، بل نترك له أدنى حد يقيم أوده. ومن الطبيعي أيضا أننا لا ندع له أن يتنعم على حساب الآخرين، لنصل إلى مفارقة مواطنين أثرياء ودولة فقيرة، وذلك يجعلها ضعيفة سياسيا ايضا كونها يجب عليها ان تسعى الى مصادر عيش خارج حدودها، عند يهود الجلاء وعند حكومات أجنبية.

قبل كل توجيه روحي، ينبغي التنبه الى نقاط منطقية بسيطة وأساسية: لا عيب أن يعيش شخص في مستوى عيش حسن، لكن لا يحل له أن يعيش في مستوى فوق دخله. كذلك لا يحل لشخص أن يقيم الفروض الدينية من مال الاخرين بل من ماله هو. فالعيش بكرامة فريضة دينية ايضا. قلنا العيش بكرامة، ولا يعجبنا من يحاول ان يحسن وضعه الاقتصادي بأنواع جديدة من لعب النرد أي العاب البورصة وسائر أعمال المضاربة بدل العمل الانتاجي. ينبع هذا التوجه ايضا من عقلية تسعى الى حل المشكلات بألاعيب غير مهمة. ينبغي على المرء ان يوفر ويتواضع. ينبع وضعنا الاقتصادي الصعب من وضعنا الاخلاقي غير المتزن ايضا، ومن سعي المرء وراء تعسف قلبه لقضاء جميع شهواته. بسبب هذه الانجرار وراء شكل حياة الاغيار ومطاردة ملذات هذا العالم، نتورط أكثر فأكثر بالتعلق بأمم العالم، فيضيق استقلالنا ولا نعود قادرين على تصريف دولتنا بأنفسنا.

لا حاجة الى أن نعيش حياة ضيق بل حياة متواضعة، آنذاك لن نضطر الى أن نبيع الأميركيين انفسنا في مزاد علني.