مدن من "الكوفي شوبات"

يفوق عدد المقاهي "الكوفي شوبات" في عمان والمدن الكبرى في المملكة، مثيلاتها من المكتبات والمنشآت الرياضية والمراكز الثقافية ودور السينما، لا بل إنه وباستثناء العاصمة، لا توجد دور للسينما في المحافظات الأردنية.اضافة اعلان
عمان أفضل مثال على ظاهرة المقاهي غير المسبوقة. مقابل كل مقهى قائم في أحد الشوارع، نشهد افتتاح عديد المقاهي كل فترة، لا يبعد الأول عن الثاني سوى بضعة أمتار، ويقابلها على الجانب الآخر من الشارع صف مماثل من "الكوفي شوبات".
وفي أحيان كثيرة، يجري ترخيص المقاهي في شوارع وأزقة لا تتمتع بأي إطلالة تذكر، ناهيك عن إقامتها في "مخازن" تجارية مغلقة تفتقر إلى التهوية اللازمة لتنقية الهواء من سحب دخان "الأراجيل" المتراكمة، وفي شوارع ضيقة مزدحمة، لا مواقف فيها للسيارات.
كل زوايا الشوارع الرئيسة في عمان تحولت إلى محطات لتدخين "الأراجيل". وحين ضاقت الأماكن، انتقلت المقاهي إلى الطوابق العلوية للمباني التجارية.
يقول العاملون في هذا القطاع إنه مجد من الناحية الاقتصادية، شرط توفر خدمة"الأراجيل" وشاشات تنقل مباريات دوريات كرة القدم الأوروبية. ويبدو هذا صحيحا بدرجة كبيرة؛ فنادرا ما تجد مقهى فارغا من الزبائن في ساعات المساء.
أما الزبائن غير المولعين بكرة القدم، فيحضرون في الفترات الصباحية لشرب "الأرجيلة" والتأمل. وهكذا تبقى المقاهي عامرة بالرواد طوال الوقت.
باستثناء قلة قليلة من المقاهي التي توفر أجواء هادئة لفئة محدودة جدا من الزبائن المثقفين والطلبة المجتهدين الذين يجدون فيها مكانا للدراسة والمطالعة، فإن معظم المقاهي هي في الواقع، مجالس تعلم الكسل وقلة الحيلة، إضافة إلى ذلك، تؤهل أجيالا من المراهقين على تدخين الأرجيلة في سن مبكرة، وتبادل الأحاديث الفارغة، واكتساب العادات السيئة والخطرة، وقتل المهارات والرغبة في الإبداع. كما تشجع العاطلين عن العمل على التكيف مع البطالة، والاستسلام لواقعهم.
ليست لدينا أرقام مؤكدة، لكن من المؤكد أن الأردنيين ينفقون مبالغ طائلة سنويا في "الكوفي شوبات"، وجلها يذهب على "الأراجيل"؛ إذ لا يقل ثمن "الأرجيلة" الواحدة عن خمسة دنانير.
كنا قد سمعنا عن توجه رسمي للتشدد في ترخيص المقاهي التي تقدم خدمة "الشيشة". لكن على ما نراه يوميا من يافطات جديدة ترفع معلنة عن افتتاح محال جديدة، وفي شوارع مكتظة، يخيل إلينا أن الحكومة شملت مقاهي "الأرجيلة" في بنود قانون تشجيع الاستثمار.
لا أحد يرغب في وضع قيود على النشاط الاقتصادي، فلسنا دولة اشتراكية لنفعل ذلك. لكن يتعين على السلطات التدخل عندما يفيض قطاع تجاري عن حاجة المجتمع، ويتحول إلى مصدر يضر بصحة الناس وجيوبهم وعقولهم أيضا، وإعادة توجيه الخدمة لترتقي بذائقة البشر، عوضا عن تحويلهم إلى كتل من "المساطيل" المدمنين على الجلوس لساعات طويلة يوميا وهم يتأملون في سقف المقهى، ويتبادلون "المسجات" مع زملاء لهم على نفس الطاولة.
لنفكر مثلا بتشجيع الرواد على إنشاء المقاهي الثقافية؛ "مكتبات صغيرة، تعرض أفلاما سينمائية، وتقدم المشروبات الخفيفة في الوقت نفسه". ومثلها خاصة بالأطفال والناشئة من الفتيان، ومراكز تقدم الحوافز للمبدعين الصغار. ولتُعفَ مثل هذه المراكز من الضرائب والرسوم، ويكون لوزارة الثقافة ومعاهد الفنون حق الإشراف عليها.
أي شيء غير ترك عشرات الآلاف من الشباب "عطالين بطالين" لا يكتسبون من المهارات والمعرفة سوى شرب "الأراجيل" والبلادة.