مذنب حتى تثبت براءته

القاعدة القانونية الذهبية بأن المتهم بريء حتى تثبت ادانته لم تجد لها صدى في العالم الإفتراضي حيث أن أي شخص معرض أن يتحول الى مذنب بمجرد ان احدا ما قرر ان يجعل منه مادة لمنشور او خبر مفبرك .اضافة اعلان
أذكر مثلا أجنبيا سمعته يوما أترجمه هنا بتصرف بغية التخفيف من وقع احدى كلماته "أنك مطالب بإثبات حسن خلق اختك حتى ولو لم يكن لديك اخت"، ورغم اعتراضي على المعنى الحرفي لهذا المثل لكنه للأسف لا يخلو من وجاهة في عصر سطوة العالم الافتراضي والسوشيال ميديا ، حيث أصبح اختلاق الأخبار واغتيال الشخصية السمة البارزة لهذا العالم.
أذكر يوما أن مرافقة أحد الاطفال المرضى طلبت نقل ابنها الى غرفة منفردة، وهو ما كان متعذرا، فما كان منها الا أن قامت بتمديد الطفل على الأرض وتصويره في هذا الوضع وخلال دقائق أصبح خبرا يتداول على عدد من مجموعات السوشيال ميديا. كثيرة هي القصص المشابهة التي يمكن ان تروى في هذا السياق ولا اظن ان احدا منا لم يشهد واحدة منها هذا ان لم يكن ضحية لها.
تحولت وسائل التواصل الى محاكم لكنها بلا قضاة ولا محلفين ولا فرصة لدى الضحية للاستئناف، فقرار الإدانة على بعد كبسة زر، والقرار ينحصر بين الإعجاب والمشاركة والتعليق، قبل التثبت من صحة الخبر، فأنت لا تحتاج الى دليل ما دمت جالسا خلف شاشة حاسوبك، فالإنسان بطبعه أميل للتعاطف مع "الضحية" أو مع من يعتبره "منا" في مواجهة من هو "منهم"، ولن يكلف نفسه مشقة التمحيص في دقة ما ينشر، بل انه ليس معنيا بذلك ابتداء.
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم كوسيلة لاغتيال الشخصية وابتزاز الأشخاص والمؤسسات، اما من اجل تحقيق مكاسب او من باب تصفية الحسابات او حتى بدون سبب ظاهر، فرأس مال الأشخاص، خصوصا المهنيين منهم والمؤسسات المختلفة، هي سمعتهم وهي تتأثر كثيرا من تلك الفوضى العارمة في العالم الافتراضي الذي يتحكم بالعالم الحقيقي عوض أن تكون العلاقة معكوسة.
المستفيد الوحيد من هذه الفوضى وخلط الأوراق هم الفاسدون والفاشلون والمذنبون الحقيقيون، فمع الوقت وتكرر هذه القصص يكتسب المتلقي مناعة ضد هذه الأخبار، ما يعطي هؤلاء مساحة شاسعة لممارسة فسادهم دون رقيب.
لقد قامت بعض الدول بسن قوانين صارمة للتصدي لهذه الظاهرة لكنها شابها الانتقائية في التطبيق وازدواجية المعايير واصبحت اداة للحجر على حرية التعبير عوض ان تكون ناظمة له.
في ظل غياب الرقابة الخارجية من خلال قوانين رادعة وتعذر ترك الانسان لضميره، فلو كان ذلك ميسورا لما أمرنا بـ"فتبينوا" و"قل هاتوا برهانكم"، سيبقى المتهم/ الضحية يحاول اقناع الناس ان لا اخت له، بل انه وحيد والديه وسيبقى لكل قصة وجهان ما لم تكن على صفحات السوشيال ميديا .