مرة أخرى: العراق على شفير الهاوية

عراقية في مركز اقتراع أثناء انتخابات العام 2007 - (أرشيفية)
عراقية في مركز اقتراع أثناء انتخابات العام 2007 - (أرشيفية)

ريان كروكر* - (الواشنطن بوست)
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
تشهد الحالة في العراق انعطافة خطيرة جداً في هذه الأوقات. وتذكر التطورات الجارية هناك في الأيام الأخيرة بتلك التي أفضت إلى اشتعال الحرب الأهلية في العام 2006، وتمخضت عن الحاجة إلى زيادة عديد القوات الأميركية في العراق، ووضع استراتيجية جديدة وخوض قتال بالغ الضراوة. وفي الحقيقة، تبدو الأماكن التي ظهر منها العنف مألوفة بشكل غريب، حيث كان العديد منها معاقل لتنظيم القاعدة في العراق مع بداية الزيادة في عديد القوات الأميركية، قبل انتشار حركة الصحوة التي كرست المصالحة بين العرب السنة الممتعضين والحكومة ذات القيادة الشيعية في بغداد. وتأتي الأحداث الأخيرة في قمة حوادث متزايدة من الهجمات المرعبة التي يشنها تنظيم القاعدة في العراق، حيث شهد الشهر الماضي أكبر الخسائر في أعوام – ويحدث ذلك في على خلفية عدم اتفاق سياسي يزداد خطورة باطراد. وتتطلب هذه التطورات بوضوح انتباه ودعم المجموعة الدولية بقيادة الولايات المتحدة.اضافة اعلان
جاء التقدم باتجاه تحقيق الاتفاق السياسي والتعددية إلى العراق أول الأمر في العامين 2007 و2008، عندما اختار القادة السنة والشيعة، مع انتشار مظلة الأمن خلال فترة زيادة القوات الأميركية، حل خلافاتهم من خلال التفاهم وليس من خلال العنف. وقد استطاع التزامهم تجاوز التداعيات الصعبة للانتخابات البرلمانية في العام 2010، التي لم يحصل فيها أي حزب بمفرده على ولاية صريحة. كما استطاع ذلك الالتزام أيضاً تجاوز اعتقال حراس نائب الرئيس السني طارق الهاشمي في العام الماضي على أساس اتهامات بالإرهاب، ومحاكمته اللاحقة غيابيا وصدور حكم الإعدام ضده.
وعلى الرغم من أن القضايا السياسية المحلية لفت المناطق السنية في البلد على مدار الأشهر الأربعة الماضية، فقد مارست قوات الأمن العراقية والمحتجون على حد سواء قدرا كبيرا من ضبط النفس، واتخذ القادة السنة خطوات جوهرية لغاية الإبقاء على سلمية المظاهرات عبر تفتيش المحتجين بحثا عن أسلحة. وحتى بعد مقتل ثمانية محتجين سنة في الفلوجة في كانون الثاني (يناير)، استطاع كلا الجانبين نزع فتيل التصعيد.
لكن كل ذلك تغير في الأسبوع الماضي. وبدأ الأمر في بلدة حلبجة بالقرب من كركوك، حيث قالت القوات الأمنية العراقية أن المحتجين السنة يؤون متمردين كانوا قد قتلوا جنوداً في نقطة تفتيش حكومية. لكن المحتجين نفوا وجود أي متمردين في معسكرهم ولم يقوموا بتسليم أي اشخاص. ويوم 23 نيسان (أبريل) الماضي، نفذت القوات الأمنية الحكومية عملية ضد المعسكر، مما افضى إلى حدوث اشتباك أسفر عن مقتل وجرح العشرات. والآن، أصبح شيوخ العرب السنة يدعون إلى الحرب بعد أن كانوا يحثون على التهدئة. وتقول بعض التقارير أن القبائل تجمع المتمردين السابقين وتعد العدة للقتال. وقد وقعت حوادث عنيفة أفضت إلى مقتل 40 شخصا في يوم واحد في الموصل وحدها.
ينطوي هذا التطور على أفدح التداعيات على أمن العراق واستقراره. وكان تنظيم القاعدة في العراق قد شرع أصلاً في إعادة تأسيس نفسه في مناطق كانت قد طهرتها القوات العراقية والأميركية بكلفة ضخمة في غضون الأعوام الخمسة الماضية. وفي الاثناء، تحاول جبهة النصرة، جبهة تنظيم القاعدة في العراق التي تعمل الآن في سورية، اختطاف المقاومة العلمانية ضد الرئيس السوري بشار الأسد. ولا تهدد هذه التطورات بإجهاض المكاسب التي تحققت منذ العام 2007 وحسب، وإنما تهدد أيضاً بشحذ قوى التطرف العنيف في قلب العالم العربي، والذي يشتعل أصلاً في سورية.
يحتاج قادة العراق إلى نزع فتيل الأزمة ومخاطبة مخاوف أولئك الذين يعانون. وثمة مكمن معاناة جديد واضح بشكل خاص: تأخير إجراء الانتخابات الادارية في محافظتي الأنبار ونينوى، والذي يجب البت فيه بشكل سريع. وكانت معظم مناطق العراق قد صوتت لانتخاب قادة المناطق يوم 20 نيسان (ابريل) الماضي، لكن هناك قضايا أمنية أجلت التصويت في الانبار ونينوى حتى 18 أيار (مايو)، ثم مرة اخرى حتى 4 تموز (يوليو)، مما فاقم الإحساس بالتهميش الطائفي. ومن المهم جداً أن تمضي تلك الانتخابات قدماً حسب برنامجها الزمني المقرر.
ولم تكن الاحتجاجات تتعلق بالتأخير الانتخابي المذكور وحسب؛ إذ يطالب المحتجون ايضا باجراء اصلاحات كبيرة في سياسات الاحتجاز العراقية، والطريقة التي تتم من خلالها عملية تطبيق قوانين تفكيك البعث. ونلاحظ هنا أن رئيس الوزراء نوري المالكي، قدم تنازلات حول الموضوع الاخير، ونتطلع قدماً إلى دعم الاحزاب السياسية الاخرى التي ترتكز إلى دوائر انتخابية شيعية. وفوق كل شيء، من المحتم بالنسبة للشعب العراقي وقادته أن يستذكروا الالتزامات التي كانوا قد التزموا بها في العام 2007، والقاضية برفض العنف الطائفي والضغط من أجل شق الطريق أماماً نحو بناء عراق أفضل لكل العراقيين.
كما أن من واجب أصدقاء العراق أيضاً دعم هذا الجهد. لقد جاء التقدم في العراق عندما شجعت عناصر الائتلاف المجتمعات السنية على العمل مع حكومة ما يزالون يفتقرون إلى الثقة فيها. ومن الضروري جداً في هذه الآونة أن يتم استحضار الروح التي صبغت ذلك التقدم. ولذلك، كان من الجيد قراءة نشاطات السفير الأميركي لدى بغداد وبعثة الأمم المتحدة هناك في الأيام الأخيرة، حيث دعوا إلى التزام الهدوء والانخراط مع كل الاحزاب لتذكيرها بما يمكن أن تخسره: العراق الجديد الذي دفع العراقيون ودفعنا نحن الكثير جداً من أجل خلقه.
مع أن الولايات المتحدة سحبت قواتها من العراق، الا انها ما تزال تحتفظ بقدرة تأثير كبيرة هناك. فقد جهز الأميركيون القوات العراقية ودربوها، كما أن قادة البلد يظلون في حاجة إلى مساعدتنا ويتوقعونها منا. وقد أظهر وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، روح مبادرة كبيرة عندما جعل العراق جزءاً من اول رحلة خارجية له. ويجب عليه العودة للتأكيد على اهمية العراق على المدى البعيد بالنسبة للولايات المتحدة وبالنسبة للاستقرار الاقليمي. وعليه ايضا أن ينخرط مع كافة قادة العراق من كافة الأطياف. وثمة خطوة اخرى تتمثل في عقد اجتماع على مستوى الوزراء للجنة المشتركة التي كانت قد تأسست بموجب اتفاقية اطار العمل الاستراتيجي.
حتى نكون واضحين: حتى يتمكن العراقيون من التراجع عن شفير الهاوية الوشيكة في بلدهم، يجب على الولايات المتحدة أن تقود جهدا دبلوماسيا مستداماً ورفيع المستوى. وكنا قد فعلنا ذلك بنجاح كبير في الماضي، وبداية في العام 2007، ويجب علينا القيام بالشيء نفسه ثانية. أن المخاطر المحيطة بالعراق وبالمنطقة كبيرة جداً، وأعلى كثيراً من بذل أي جهد أقل.
* ريان كروكر: كان سفيرا لدى العراق من العام 2007 وحتى العام 2009، وهو الزميل الرفيع لكيسنجر في معهد جاكسون في جامعة ييل.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Iraq on the brink, again