مرجعية وطنية للمفاوضات

معظم النواب الذين تحدثوا في جلسة المناقشة العامة حول خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لم ينتظروا سماع بيان وزير الخارجية ناصر جودة؛ فكلماتهم كانت معدة مسبقا. مع ذلك، فإن التفاصيل التي أدلى بها جودة تظل مفيدة، ليس للنواب فحسب، بل للرأي العام المشوش وسط هذا التراشق الكلامي بين النخب السياسية.اضافة اعلان
وزير الخارجية لخص الموقف الأردني تجاه أي تسوية محتملة للقضية الفلسطينية في سبع نقاط، يمكن وصفها بثوابت أردنية. لكنها في الوقت نفسه مرنة، وقابلة للتفسير على أكثر من وجه.
المؤكد أن العرض المسهب لجودة والثوابت التي أعلنها تحت القبة، لن تضع حدا للسجال الدائر حول خطة كيري، ولن تحمي الموقف الرسمي من التشكيك؛ فتلك هي حال البيئة السياسية في الأردن ولن تتغير.
بالمناسبة، هذه الحال لا تخص الأردن فقط. في إسرائيل الوضع ذاته، ومن يتابع وسائل الإعلام هناك سيطالع سيلا من الآراء التي تشكك في نوايا الحكومة، ويطالع اتهامات من العيار الثقيل تكيلها المعارضة لنتنياهو وحكومته. وفي مناطق السلطة الفلسطينية حدث ولا حرج؛ فالاتهامات تتطاير في كل الاتجاهات، والرئيس أبو مازن في مرمى النيران على مدار الساعة. ولا ننسى أيضا الانقسام العميق في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية، ممثلا بحكومة "فتح" في رام الله، وحكومة "حماس" في غزة.
في الأردن، يبقى الانقسام أقل خطورة. فهو، حتى الآن، لم يأخذ طابعا إقليميا حادا، رغم الأصوات المتشنجة على الطرفين. المشككون والمعارضون لخطة كيري قبل الكشف عنها رسميا، هم خليط من الشرق أردنيين والأردنيين من أصل فلسطيني. ويكفي للمراقب أن يستعرض وجوه المشاركين في ملتقى "ساحة الريجنسي" ليتأكد من هذه الحقيقة.
المفارقة أن المعارضين على الجبهات الثلاث متفقون على رفض تحركات كيري، لكن لكل منهم أسبابه المختلفة. فما يعد سببا وجيها من جانب الأردنيين لرفض خطة كيري، يعتبر أمرا ثانويا بالنسبة للجانب الفلسطيني. أما بالنسبة لإسرائيل، فإن ما يأمله الأردنيون والفلسطينيون من حقوق، لا يمكن قبوله أبدا.
لا نعلم إن كان كيري ما يزال على وعده بتقديم "إطار" لمفاوضات الحل النهائي في غضون أسابيع قليلة؛ فقد رصد دبلوماسيون حذرا من جانبه. وهو ما يفسر تردده في بلورة تصور نهائي، وتأجيل زيارة كانت مقررة للمنطقة.
السؤال: كيف يمكن لنا في الأردن أن ندير حوارنا الصاخب حول خطة كيري، من دون أن يخرج عن حدوده، ويتحول إلى صراع داخلي؟
لقد بُذلت جهود لا بأس فيها من طرف الدبلوماسية الأردنية لجعل النواب والأعيان في صورة ما يجري. لكن المعنيين في لجنتي الشؤون الخارجية بمجلس الأمة، كانوا يخرجون من اجتماعاتهم مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية وفي جعبتهم أسئلة أكثر من الأجوبة. والسبب في اعتقادي لا يعود إلى غموض في الإجابات، بل إلى طبيعة المرحلة التي تمر فيها المفاوضات، وعدم توفر إجابات قاطعة على أسئلة كبيرة، لم يقدم كيري بعد شيئا بخصوصها.
لماذا لا نفكر، إذن، في إنشاء هيئة وطنية دائمة، تكون بمثابة مرجعية وطنية للمفاوضات؛ يتمثل فيها النواب والأعيان، ومختلف مؤسسات الدولة، إلى جانب شخصيات ذات حضور في العمل العام، سواء كانوا ممثلي أحزاب أو مسؤولين سابقين، ومن أصحاب الخبرة والاختصاص في مفاوضات السلام؟
وجود مثل هذه الهيئة سيساعد، إلى حد كبير، في تجسير الهوة بين الموقفين الرسمي والشعبي، ويخلق قناة اتصال دائمة مع الرأي العام، تبدد الشكوك في ما يقال عن استفراد بأمور مصيرية. الهيئة المقصودة في الاقتراح استشارية، وليست صاحبة القرار.

fahed_khitan@