مرض الزهايمر والخرف الحضاري

قال تعالى: "... وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا..." (الحج، الآية 5). وقد ادعيت في مقال سابق أن الإصابة بمرض الزهايمر تمثل أرذل العمر عند المريض به، لأنه لا يعلم من بعد علم شيئاً.اضافة اعلان
لعل جميع الأمراض، بما في ذلك مرض السرطان، تهون دون هذا المرض؛ لأن المريض به يفقد عقله أو صلته بالواقع، أي يصبح خرفاً، فلا يعرف زوجته أو أولاده وأهله جميعاً، وأنه إذا خرج من بيته قد يضيع ولا يستطيع العودة إليه.
يصيب هذا المرض الناس -عادة- فوق سن الخامسة والستين. وقد يصيب بعضهم في سن أبكر من ذلك. وفي إحصاءٍ أميركي سابق، تبين أن أكثر من نصف الأميركيين من سن 85 عاما فما فوق مصابون بهذا المرض. إنه مرض تتآكل به خلايا الدماغ أو يلتهب به الدماغ، فلا تنمو خلايا جديدة فيه لاستقبال المعلومات والأفكار الجديدة، فيتحول المرض بمرور الوقت إلى إخلال عقلي عام. ومن أعراضه: القلق، والاضطراب، والارتباك، وضيق الصدر، وتشوش الذهن، وانحراف الأحكام، وفقدان التركيز. وبما أن الخلايا لا تتجدد، فإنه لا يبقى في عقل المصاب سوى المعلومات القديمة المنزوية في العقل الباطن، التي يرددها المريض بعد انهيار الرقيب أو العقل الواعي الذي كان يتحكم بها.
يرى المعهد القومي الأميركي للصحة العقلية أن هذا المرض هو الأسوأ تشخيصاً، لاختلاط ظواهره أو أعراضه بظواهر أو أعراض مرض القلب، والاكتئاب، والحمى الشديدة، وسكتة الدماغ، والوحدة، والملل، وجروح الرأس، والغذاء غير الصحي، والإدمان على التدخين أو الكحول، وأمراض الغدة الدرقية.
وللوقاية من هذا المرض، ينصح الخبراء بجعل التعلم مستمراً مدى الحياة (من المهد إلى اللحد)، ومواصلة النشاط بعد التقاعد، ودعم الأصدقاء، ومشاركة المرء في الأنشطة المختلفة فاعلاً ومنفعلاً، وممارسة المشي اليومي لأنه مفيد للجسد والعقل، بزيادة تدفق الدم في الدماغ، وتحسين التفكير. وأيضا الانشغال بحديقة المنزل أو بالعمل المنزلي، أو بكل ما يساعد المرء على الفرح والسرور، ويقظة العقل، وبخاصة القراءة، لأن الشعور بالضيق أو بالملل يؤثر سلباً على القدرة على التفكير، ويغير بنية الدماغ بمرور الوقت، ويهيئ المرء للإصابة بالخرف.
من هذه المقدمة الطويلة لمقالي القصير، أردت أن أبين أنه مثلما يصاب المرء بالزهايمر أو الخرف، تصاب المجتمعات والشعوب والأمم بهما، عندما تفقد صلتها بالوقائع، ولا تحسن التفكير في الحاضر ولا تفكر بالمستقبل. وعندئذ لا يبقى لديها سوى ذكريات الطفولة؛ أي سوى استحضار الماضي بـ"عجره وبجره"، واجتراره ليل نهار، وكأنها ليست من العالم الموجود حولها الذي يعجّ بالحركة والعمل والإنتاج والإبداع والابتكار والتعافس (التعاون والتنافس).
ولعل أعراض المجتمعات أو الشعوب العربية، لا تختلف عن أعراض مرض الزهايمر أو الخرف الدالة عليه. فالقلق، والاضطراب، والارتباك، وضيق الخلق، وتشوش الذهن، وسوء التقدير، وانعدام التركيز، واجترار الماضي البعيد، هي أعراض الزهايمر أو الخرف الحضاري العربي.
يقول الكاتب الأميركي الشهير جون اشتاينبك (1902-1960): إن من طبيعة الإنسان الاحتجاج ضد التغيير كلما كبر بالسن، وبخاصة التغيير من أجل الأفضل. ويقول آخر: إن أشقى الناس أو الشعوب هي التي تخشى التغيير.
يبدو أن المجتمعات أو الشعوب العربية هي الأشقى في هذا العالم، وأنها شاخت وخرفت قبل الأوان، وصارت ترفض التغيير. ولم يبق لديها سوى الماضي تجتره وتفكر فيه ولا تخرج منه، وكأنها محتلة أبدياً به. ولتشفى، فإنها بحاجة ماسة إلى نمو خلايا جديدة تطلق التغيير وتستمر فيه. وقد قيل: إذا أردنا أن تبقى الأمور على حالها، فإنها يجب أن تتغير، بمعنى أنه إذا أرادت هذه المجتمعات أو الشعوب أن تبقى وتنهض، فإنه يجب عليها أن تتغير نحو العقلانية، والديمقراطية، والعلمانية، والمواطنة، والمعرفة (العلم والتكنولوجيا) وحقوق الإنسان؛ الجامع المشترك الأعظم للتقدم والازدهار في هذا العصر.