مريم ووفاء ورولى

كان المشهد الانتخابي مثقلا بالمظاهر السيئة؛ شراء أصوات، بلطجة انتخابية، ومرشحون يرثى لحالهم. وعند ظهور النتائج، أسف كثيرون لعودة بعض النواب إلى البرلمان، ونجاح بعض الوجوه الجديدة بقوة المال والنفوذ الاجتماعي بدون أدنى خبرة في العمل العام. وسيطرت حالة من الإحباط في أوساط المحللين، وألقى بعضهم (وأنا منهم) اللوم على المجتمع وخياراته، إضافة إلى سخطهم على قانون الانتخاب الذي وضع المواطن قسرا في حضن العشيرة ورجال الأعمال.اضافة اعلان
لكن التمعن في نتائج الانتخابات يكشف أن الأردنيين، إذا ما توفرت لهم الخيارات الجيدة، على استعداد لدعم الشخصيات النظيفة، ومكافأة الناجحين والمبادرين في العمل للصالح العام.
مجلس النواب السابع عشر لا يخلو من النماذج التي تؤكد صحة هذا الاستخلاص.
لقد فوجىء كثيرون بالفوز الذي حققته النائب مريم اللوزي، وتفوقها على المرشحين الرجال في "عمان الخامسة" بعدد الأصوات، في دائرة تحكمها الاعتبارات العشائرية إلى حد كبير. لكن بالنسبة لناخبي تلك الدائرة الانتخابية، لم يكن هذا النجاح غريبا؛ فالمربية ومديرة المدرسة الناجحة والمتميزة وجدت آلافا من أبناء وبنات منطقتها يشهدون لها في الصناديق، لتكون ممثلا لهم في البرلمان.
في انتخابات 2010، وصلت المحامية وفاء بني مصطفى إلى قبة البرلمان بفضل "الكوتا النسائية". لكن الأداء المميز للنائبة الشابة، وضعها في مصاف الكبار في المجلس؛ فحظيت باحترام الجميع. وقدر لها الناخبون في مدينة جرش مواقفها تحت القبة، وانحيازها للحق، فأعادوها مرة ثانية إلى البرلمان؛ ليس بوصفها ممثلة لـ"الكوتا النسائية"، بل لأهل جرش جميعا.
لم يسبق للزميلة رولى الحروب أن ترشحت للانتخابات من قبل. لكنها هذه المرة قررت أن تخوض التجربة عبر قائمة وطنية. ولسنوات مضت، كانت الحروب تظهر يوميا على شاشة "جوسات"؛ تدير حوار سياسيا مثيرا للجدل، استقطب اهتمام الأوساط الشعبية في المحافظات بشكل ملفت. لكن أحدا لم يتوقع أن صوتها الجريء، والفوضوي في أحيان، سيجلب لقائمتها المتواضعة  100 ألف صوت، وبما يعادل أصوات أكبر حزبين مشاركين في الانتخابات، أنفقا على حملاتهما الانتخابية أضعاف ما أنفقت قائمة "الأردن أقوى" التي ترأستها الدكتورة رولى الحروب.
أيا كان رأينا في سيرة الحروب المهنية وتجربتها في "جوسات"، فإنه ينبغي علينا الاعتراف بأنها نجحت في كسب قلوب وأصوات عشرات الآلاف من الأردنيين الذين وجدوا فيها صوتا يمثلهم.
ولا يقتصر الأمر على النماذج النسائية؛ فقد حمل الناخبون إلى البرلمان رجالا ضربوا المثل في النجاح، لعل أبرزهم نقيب المعلمين النائب مصطفى الرواشدة، الذي نجح بسيرته ونزاهته في اختراق بنية عشائرية شديدة المحافظة.
وأظهر الأردنيون في الانتخابات الأخيرة قدرة على التمييز بين أصحاب الكفاءة وأصحاب الجاه، فاختاروا الدكتور مصطفى حمارنة، بمواقفه التقدمية المعروفة من العشيرة والهويات الفرعية بمجملها.
وأوصل الناخبون إلى البرلمان نوابا من المجالس السابقة لم نكن نريد رؤيتهم مرة ثانية، لكنهم أعادوا أيضا نوابا طالما كان أداؤهم محل تقدير واسع، أبرزهم جميل النمري الذي خاض معارك شرسة دفاعا عن حرية الإعلام، وضد قانون الصوت الواحد، وضد الفساد وسعي مراكز القوى إلى لفلفة التحقيق في ملفي "الفوسفات" و"سكن كريم".
كما قدمت الانتخابات وجوها جديدة كثيرة لم نعرف خيرها من شرها بعد. المهم في الأمر أن المجتمع الأردني، ورغم ما تعرض له من تهشيم مبرمج، لا يتوانى عن ملاحقة الضوء في نهاية النفق.

[email protected]