مرّ الكلام: في هجاء الساسة ورجال المال اللئام

لأنهم تسببوا بنظرياتهم وقراراتهم وإجراءاتهم وأطماعهم بالأزمة المالية والاقتصادية الخانقة في أميركا والعالم، يقول كريس فلويد الذي يهجوهم بمُرّ الكلام، إنه يصعب سبر غور السياسة المعاصرة لغرابتها وشذوذها وابتذالاتها التي تصفع الناس كالريح العاتية والعاوية، ما جعل فك ألغازها المتناقضة من الأحداث الجارية صعباً للغاية. اضافة اعلان
ففي الماضي، كان المطلوب من الفلاحين والعمال الهامدين صنع الثروة للفئة الغنية الحاكمة السالبة الناهبة، والمحافظة على آلية قوتها وامتيازاتها. كانت التنمية المطلوبة مقصورة على تلبية حاجات الفلاحين والعمال الأساسية بأقل تكلفة. أما اليوم، فقد تغيرت أشكال وسائل الإنتاج، وصارت -إجمالاً- ميكانيكية وإلكترونية ديجيتالية، لا تحتاج إلى أجسام دافئة كثيرة وغير ماهرة ولا تملك الخبرة، أو إلى الأجور المرتفعة لتعمل وتنتج. كما صارت وسائل الضبط والربط أقوى بتكنولوجيا العنف والتجسس الجديدة الأكفأ.
وبـ"كلام على بلاطة"، يقول فلويد: لم تعد النخبة بحاجة إلينا اليوم أو -على الأصح- إلى كثير منّا، فشكراً للنمو السكاني الوافر، ولتعبئة رأسمال المال القوي السهلة، فهو لا يحتاج إلا إلى أقل القليل منا لإبقاء الآلة دائرة، وتبديل العمال الحاليين في أي لحظة بعمال مغفلين ومستميتين لتجنب البطالة والحرمان. وعليه، لم يعد هناك سبب لقلق النخبة على المخلوقات المنهكة القابعة خارج أبواب القصور أو في الشقق الكئيبة، ولا حاجة للقلق من حقوق العمال إذا خرجوا عن الخط المرسوم أو إذا تمّ طردهم، وإلا نقل الرأسمالي عملياته إلى ما وراء البحار، حيث "علف" العمالة أكثر وأرخص. لا تشعر النخبة بالقلق على المجتمع، ولا بأي بُنى شخصية أو اجتماعية أو اقتصادية أو فيزيقية، مع أنها هي التي جعلت الأغنياء أغنى فصار شعارهم: تخلّص منهم؛ انزع أحشاءهم واتركهم يموتون. وعندما أصبح العفن أعفن كما في مدينة ديترويت، أُرسل مدير غير منتخب إليها لتنظيف الشوارع من جثثها. لا تقلق من انتفاضات الفاقدين لأملاكهم والغارقين في الدَّين، والمسحوقين، والمعزولين، والغوغاء "الدايخين" من الإعلام؛ فالقوات البوليسية مسلحة جيداً، والكاميرات في كل زاوية، والجواسيس والاستفزازيون كفيلون باجتياح كل قاعدة ممكنة لوقوع شقاق، وجامعو البيانات الهائلة عند كل حركة عامة حاضرون للحصول على جزء من الكعكة.
لقد وفر الانهيار المالي الاقتصادي الكبير الذي وقع العام 2008 عذراً للنخبة لتمزيق القناع في النهاية. فلخمس سنوات مضت وحتى اليوم، يشتد ضغط اليد الحديدية للتقشف على الناس العاديين، مع أنه لم يكن لهم يد أو علاقة بالحملة الإجرائية التي تسببت بالكارثة، وإن كانوا هم الذين دفعوا ثمنها، وفقدوا وظائفهم وبيوتهم وخدماتهم، وحرياتهم، وفرصهم، وانتُقصت حياتهم وضُيّق عليهم إلى أن شُلّوا. إن البلاء الذي يصيب الناس العاديين هو اللعبة الوحيدة الدارجة في المدينة. فيا إلهي: كيف يمد قادتنا أيديهم الناعمة التي لا تشوبها شائبة إلى الناس قائلين: لا يوجد فلوس. لا يوجد فلوس لمدارسكم، وطرقكم، ووظائفكم، وتقاعدكم، وحقوقكم، ولا مساعدات للمسنين والمرضى ولا لفقرائكم، ولا للمعطوبين منكم. لقد تبخرت كل الفلوس فماذا نفعل؟
لكن الفلوس لم تتبخر أبداً. ففي دراسة لأحد الخبراء من داخل النظام المالي الاقتصادي، يذكر أنه تمّ إخفاء اثنين وثلاثين تريليوناً من الدولارات في بنوك "أعالي البحار "أفشور" وغيرها من المخابئ السرية. إن جزءاً من هذا الجبل الهائل من المال كاف للتخفيف من الأزمة الوحشية في الموازنة، ومن القيود السخيفة والزائفة المفروضة على دولة بعد أخرى.
لقد تسببت تلك السياسات المالية والاقتصادية بكل المعاناة والعوائق والمهانة للناس العاديين، وكانت كلها سياسة غير ضرورية. إن الفلوس هناك إذا أراد القادة، لكن باراك أوباما يعد في وضح النهار وبشغف بالقضاء على الضمان الاجتماعي. كما يجبر ديفيد كاميرون الفقراء والمرضى على الركوع، ويفرّخ صندوق النقد الدولي نازيين في اليونان.