مزاحمة القطاع الخاص ليس الحل

  هل يؤدي حقا إقحام الدولة كمنافس مع القطاع الخاص إلى تخفيض مستويات أسعار السلع الاساسية التي يعتمد عليها المواطن في قوته اليومي؟.

 وهل سنرى قريبا إغراقا للأسواق بمستوردات حكومية بأقل الأسعار، والاكتفاء بهامش ربحي متواضع وكأنما المسألة مجرد طرق أبواب الاستيراد من الخارج للقضاء على جشع التجار؟ أم أن الواقع سيحكي قصة اخرى؟

اضافة اعلان

   يصعب التصديق أن مؤسسات استيراد تملكها وتديرها عقلية البيرقراطية الحكومية، في أي بلد كان وليس الأردن فقط، يمكن ان تنجح في خلق المنافسة أو كسر الاحتكار الذي نما وترعرع بعجز الدولة عن تشجيع منافسة حقيقية في السوق لتعود فوائده الكلية لصالح المستهلك.

   وفي هذه العودة إلى اقتصاديات حقبة عفا عليها الزمن، ليس فقط في الاردن، تعود الذاكرة إلى الوراء لتلك المؤسسات التي انشأتها الدولة وراكمت المديونيات على حكومات متعاقبة وأعقب فشلها مرحلة تغول فيها قطاع خاص عائلي يؤمن مصالحه عبر الاحتكار لا المنافسة.

   وللأسف مهدت هذه المؤسسات بإخفاقاتها الطريق لخصخصة مبتورة حصد فيها المال الأجنبي مع شركائه المحليين دون سواهم على بعض أهم الأصول الحكومية التي كان يمكن أن تبقى بأيدينا لولا سوء الإدارة والترهل الإداري وتخبط السياسات الذي تراكم عبر سنوات!   

  وفي هذا اللغط حول قطاع خاص "فاسد" يحمل دوما مسؤولية رفع الأسعار نتغاضى عن مساويء تمدد هيمنة الدولة الاقتصادي على قطاعات واسعة خلال السنوات التي مضت وإن كانت أهدافها سامية إلا أنها بقتل روح المنافسة ضيّقت المساحات أمام تكافؤ الفرص ورفع الانتاجية.

 وشجعنا بسياساتنا قطاع أعمال من الصنف الذي يحمل معظم أمراض القطاع العام من ترهل إداري ولا يقوى على المنافسة وتربطه بمؤسسات الدولة علاقات نفعية تسمح له بنقض آليات السوق الحر وحصر المنافع له دون سواه.

  ولا نعتقد أن الحل لكسر شوكة وجشع رجال أعمال ومستوردين محتكرين لبعض الأصناف الأساسية هو مزاحمة حكومية لتوطيد قدمها في السوق عبر نفوذها وسطوته يكون ضحيته المستهلك.

   وتكمن المعضلة في تعزيز بيئة تجارية تنافسية حقيقية تفعل فيها قوانين الرقابة على سوق حرة تكسر نفوذ أصحاب الامتيازات التجارية التي تعتاش على ترهل القطاع العام لتقضي على منافسيها.

  وعلى مؤيدي الدور الأكبر للدولة في الاقتصاد ان يستذكروا الثمن الذي ما زال الاقتصاد الأردني يدفعه من جراء ما آلت إليه أوضاع أهم أصولنا الحكومية التي مكنت قطاعا خاصا محتكرا أن ينقض عليها بأرخص الأسعار.

   وتبقى المعركة الحقيقية بفتح السوق برمته لا بمزيد من مزاحمة الدولة للقطاع الخاص في مجالات تدخلها ظنا منها أنها مغرية وتدر ربحا وتصبح إدارتها عبئا على المال العام.

   وعندما يستشهد أنصار التدخل الحكومي بما حصل فى الأزمة المالية، علينا أن نذكّر هؤلاء أن التأميم المؤقت في الغرب جاء لانقاذ القطاع الخاص لا أن تحل الدولة محله كما يحصل اليوم لدينا.

  التوجه الحالي يعيدنا إلى حقبة المشاريع الحكومية الخاسرة ويبعد الدولة عن دورها المنظم وتطبيق القوانين التي تكرس قواعد المنافسة الحرة التي يتساوى فيها الجميع وتحطم نفوذ القلة التجارية المتحكمة لصالح أوسع قطاع من الموردين والتجار ورجال الاعمال!.