مسؤولون على "فيسبوك"

نلجأ أحيانا إلى الدخول لصفحات مسؤولين وأصحاب قرار على موقع التواصل "فيسبوك". نراقب ما يدور بينهم وبين قائمة طويلة من الأصدقاء (الافتراضيين)، ونطلع على طبيعة الحوار الذي يدور بين الطرفين.اضافة اعلان
هذه المساحة الافتراضية الهائلة، لم يعد باستطاعة هؤلاء المسؤولين تجاهلها أو التغاضي عنها، أو تقصد عدم سماعها؛ فالشبكات الاجتماعية باتت واحدة من أكثر وسائل التواصل العام، خصوصا من قبل الشباب الذين يحاولون الاستفادة من الإمكانات التقنية الحديثة لإيصال أفكارهم وتوجهاتهم.
الحوار بين المسؤول والشباب على هذه الشبكات، يعد مصدرا مهما لفهم توجهات الجيل الجديد بأفكاره وتطلعاته، خصوصا أن هناك إدراكا متأخرا من قبل المسؤول بأهمية هذه المواقع التي تخطت حاجز التسلية وإضاعة الوقت؛ وأصبحت تشكل اليوم ركنا أساسيا في الحوار حول الإصلاح والتغيير وطبيعته.
الفرصة التي تتاح لمسؤول اليوم، لم تكن متاحة لمسؤولي الماضي، والذين كان يمكن لهم أن يعللوا إخفاقاتهم العديدة، بعدم معرفة التوجهات الحقيقية للناس وماذا يريدون، كونهم لم يستطيعوا التواصل الفعّال مع نخبه وشبابه وفئاته المختلفة.
أما اليوم، فإن هذا العذر يسقط بالنظر إلى القائمة الطويلة التي تشتمل عليها أسماء مسؤولين أردنيين أنشأوا حسابات لهم على مواقع التواصل المختلفة.
بعض أولئك المسؤولين، يحاولون أن يكونوا فاعلين في الحوار عبر هذا الفضاء. أما آخرون، فيبدو أنهم أنشأوا حساباتهم من باب "عدوى التشبه"، وهم لا يقومون بأي جهد حقيقي في سياق إثراء الحوار الدائر اليوم على مئات الصفحات الإلكترونية، وجميعها تناقش التوجهات الأردنية الجديدة على جميع الصعد؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتقدم أفكارا ورؤى جديدة، تستحق أن ينظر إليها بإيجابية، وأن يتم الردّ عليها.
وسائل التواصل الاجتماعي، تمثل اليوم جسرا مهما يمكن له أن يربط المواطن بالمسؤول، وهو الأمر الذي لم يعد بالإمكان تجاهله، فرأي المواطن في قرار سياسي أو اقتصادي أو غيره، يظهر بعد دقائق قليلة من صدور ذلك القرار، وعلى عشرات الصفحات الإلكترونية، ليلقي الكرة في ملعب المسؤول، والذي لا بدّ أن يحترم تلك الآراء بالردّ عليها، على أقلّ تقدير، وتفنيد وجهة النظر الرسمية التي مهّدت لاستصدار مثل تلك القرارات، خصوصا أن معظمها قرارات تؤثر على الواقع المعيشي للمواطن، وتدخل في باب همومه الآنية وتطلعاته المستقبلية.
مجموعة "نيوز جروب" في دبي، كانت أعدت دراسة عن مصر نشرت في آذار (مارس) الماضي كشفت عن أن نسبة المحادثات والنقاشات المتعلقة بقضايا اقتصادية واجتماعية على مواقع التواصل الاجتماعي في الربع الأول من العام 2010، بلغت 57 %، في مقابل نسبة بلغت 35 ٪ فقط للقضايا السياسية. ومنذ نيسان (أبريل) من العام الماضي وحتى مطلع الحالي، بدأت تتحول النقاشات نحو السياسية لتمثل ما نسبته 88 %.
تلك الأرقام تؤشر بشكل صريح على التحول التدريجي بالنقاشات المطروحة، لو أن صنّاع القرار التفتوا إليها مبكرا لعلموا بماذا يفكر الناس وما الذي يقلقهم، وليتمكنوا بالتالي من الاستجابة لتطلعاتهم نحو الإصلاح.
ثمة فرصة حقيقية للاقتراب من المواطن ومعرفة ماذا يريد، وبالتالي فإن عدم أخذ زمام المبادرة، وعدم الرغبة في التواصل مع الناس وتفهم حاجاتهم ومتطلباتهم وتطلعاتهم، سيكون "قرارا فوقيا" يصرّ فيه المسؤول على أنه يجلس في برج عاجيّ، وأن باستطاعته أن يفكر عن الجميع، ما دام هو صاحب القرار.
فرصة تكوين رؤية حقيقية عن الوضع الراهن متاحة حقا إن أعطى المسؤول بعضا من وقته لتصفح نبض المواطن على الشبكة الإلكترونية، ولن يعيبه شيء إن قام بالمشاركة في الجدل الدائر، والدخول في نقاش حول آلية اتخاذ القرارات المهمة، والهوامش المتاحة في هذا السياق.