مسؤوليات يدركها الصغار مبكرا.. فهل تركت الجائحة آثارها في سلوكياتهم؟

منى أبو حمور بعد عامين ونصف من بداية انتشار جائحة كورونا، وصولا الى السيطرة على هذا الفيروس الشرس الذي غير من تفاصيل حياة الناس، تطورت الكثير من العادات والسلوكيات لدى الأطفال، لا سيما تلك التي اكتسبوها خلال فترات الحجر الصحي والإغلاقات التي شهدها العالم آنذاك. مهارات مختلفة وسلوكيات أكثر مسؤولية وعادات جديدة لم يكن يمارسها الأطفال من قبل جائحة كورونا وترسخت لديهم في الوقت الحالي، ليكون الأبناء شركاء حقيقيين ومساعدين في المهام المنزلية. ترتيب الغرفة والمساعدة على تنظيف المطبخ، من المهارات التي اكتسبتها شهد (10 سنوات) خلال جائحة كورونا، فضلا عن إحساسها العالي بالمسؤولية التي تترتب على والدتها بعد الضغوطات الكبيرة التي فرضتها الجائحة. وتلفت والدة شهد إلى طبيعة الظروف التي فرضتها جائحة كورونا من تعليم إلكتروني لأبنائها في وقت اضطرت به للذهاب إلى العمل، وبقي أطفالها في المنزل يتابعون حصصهم الإلكترونية ويحلون واجباتهم ويساعدونها في الأمور المنزلية. وتقول أم شهد “لم أكن أتوقع يوما أن ابنتي قادرة على المهام المنزلية أو حتى الاعتماد على نفسها في إدارة شؤونها الدراسية والمنزلية”، لافتة إلى أنها كانت تعتقد أن تلك المهارات كانت مرتبطة بالحجر والتعليم عن بعد وأن مجرد الرجوع إلى الحياة اليومية في كل شيء سيعود إلى السابق، إلا أن الوضع كان مفاجئا بالنسبة لها. وتوافقها الرأي وفاء مخلد التي لم تكن تتوقع أن تترك الجائحة أثرا طيبا على أبنائها الثلاثة وتغير من سلوكياتهم، وتحدث فارقا كبيرا في حياتهم اليومية. ترتيب غرفتهم الخاصة والاهتمام بدراستهم والمساعدة على تنظيف المنزل وغيرها تعد من المهام التي اعتاد أطفال وفاء القيام بها، واستمروا بها حتى بعد العودة إلى الحياة الطبيعية. هذا ما أكدته دراسة جديدة نشرتها “CNN” حول دور جائحة “كوفيد 19” في تحمل الأطفال المزيد من المسؤولية، ووضعت عمليات الإغلاق، والتعلم عن بعد، والحجر الصحي، بحسب الدراسة، قيودًا مرهقة على الحريات الجسدية للأطفال، وتسبب ذلك بالحد من فرصهم للقيام بأمور مختلفة بأنفسهم خارج المنزل. وتشير الدراسة إلى أن الجزء الأساسي لهذا الأثر في “النضج”، يرتبط بكيفية “اتخاذ قرارات مستقلة، والتعامل مع المواقف الصعبة بمفردك عند الضرورة”، بحسب ما ذكرته كارين فان أوسدال، كبيرة مديري الممارسات في منظمة “CASEL” التي يقع مقرها في مدينة شيكاغو الأميركية. وقد تشعر أن تعليم الأطفال في مرحلة الروضة ترتيب ملابسهم، أو وضع الطعام في صحنهم الخاص، أمر بعيد عن الاستقلالية التي سيحتاجون لإتقانها في مرحلة المراهقة، والبلوغ، ولكن هناك صلة؛ حيث يتعلم الأطفال أن يثقوا بنفسهم، وأن يتعاملوا مع الأمور الخاصة بهم بشكل حرفي. وقد يؤدي تعلم كيفية إعداد حقيبة الظهر، أو وضع رقائق الفطور في الصحن، إلى نمو استقلالية الأطفال، ولكن يجب على الآباء مساعدتهم على معرفة كيف تربطهم هذه الأعمال، التي تبدو بسيطة، وفقًا لما قاله موريس جي إلياس، أستاذ علم النفس في جامعة “روتجرز”، والمؤلف المشارك لكتاب يتحدث عن تلك المهارات. ويجب الحرص على وضع مهارة جديدة ضمن إطار معين، بحيث يرى الأطفال أنهم يقومون بدور أكبر بين عائلاتهم ومجتمعاتهم. وتلفت الدراسة إلى عدم التقليل أبدًا من فائدة القيام بعمل خاص بالعائلة، أو الأعمال المنزلية والأعمال الروتينية، فهي أكثر من مجرد مهام عشوائية؛ إذ تجسد الاعتماد المتبادل، عندما يرتب الأطفال ملابسهم، أو يخبزون شيئًا مع الحاجة للقليل من المساعدة فقط، فهم لا يشعرون بالفخر فقط لإتقانهم مهمة جديدة، بل ينتابهم شعور جيد لمساهمتهم في رفاهية الأسرة بأكملها. الاستشاري الأسري مفيد سرحان، يبين أن جائحة كورونا كانت لها آثار كبيرة على مختلف القطاعات، كما كان لها أثر أكبر على العلاقات الاجتماعية، وإن كان في أغلب الأحيان يتم التركيز على السلبيات والأضرار التي رافقت الجائحة وما تزال، سواء أكانت على مستوى الأفراد أو الأسر أو المجتمعات أو الدول، إلا أن الظروف الصعبة التي يمر بها الإنسان يتعلم منها أشياء كثيرة. “الحياة مدرسة”، والمهم أن يحسن الإنسان تعلم الدروس وزيادة خبراته وتجاربه وأن يحرص على تجاوز الشدائد بأقل الأضرار. والتعلم والاستفادة لا تقتصر على الكبار، بل إن الصغار أيضا لديهم القابلية للتعلم -ربما أكثر من الكبار- في بعض الجوانب، خصوصا عندما يجدون الدعم والمساندة من الآباء والأشقاء الأكبر سنا. فترة الحظر والجلوس في المنزل كانت فرصة للتواجد لفترات طويلة اقترب فيها الأفراد أكثر من بعضهم بعضا، أدركوا أن الأسرة هي الملاذ الآمن، والحضن الدافئ الذي يلجؤون اليه. الأطفال الذين كانوا يقضون غالبية الوقت بعيدا عن الوالدين -في المدرسة أو مع الأصدقاء- أو بسبب عمل أحد الوالدين أو كليهما أصبحوا يقضون وقتهم داخل البيت. غالبية الأسر “اكتشفت ذاتها” خلال ذلك، فالتواصل الدائم والقرب الجسدي يتركان أثرا كبيرا على القرب النفسي. تعلم الأطفال أشياء كثيرة من الوالدين، وأصبحوا أكثر شعورا لمسؤولياتهما والمهام التي يقومان بها، فهم يعيشون “الواقع” بكل تفاصيله، وأدركوا مثلا حجم العمل الكبير الذي تقوم به الأم -حتى غير العاملة- سواء في إعداد الطعام وتنظيف المنزل والعناية بشؤونه وفي كل التفاصيل. الإقامة في المنزل أثناء الحظر وعدم الذهاب الى المدارس -واعتماد التعلم عن بعد- دفعت الكثير من الأبناء للمبادرة الى مساعدة الأم في أعمالها المختلفة، أقلها ترتيب غرفهم وأدواتهم الخاصة، بل والمساهمة في تنظيم المنزل أيضا. وربما شعر الكثيرون بالمتعة في ذلك. فالاعتماد على النفس درس مهم وهو حاجة للشخص، وكلما تعلم مبكرا كان أكثر إيجابية وصقل شخصيته بما يعود عليه بالنفع وعلى أسرته. وقد سمع الأبناء كثيرا عن ذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة وأدركوا حرص الوالدين على أبنائهم وأنفسهم. “فالمسؤولية الذاتية” هي الأساس في نجاح مسؤولية الأسرة، وهم وإن كانوا صغارا في العمر، إلا أن مسؤوليتهم في الوقاية لا تقل عن مسؤولية الكبار. وهم وإن كانوا أكثر مناعة من الكبار، إلا أن مسؤوليتهم التي تعلموها أن عليهم أن يكونوا سببا في نقل الوباء للوالدين والأجداد وهم أقل مناعة، وللآخرين كذلك. فالمسؤولية أكبر من عدد سنوات العمر. وفي بعض الأسر التي أصيب أحد أفرادها بالوباء، أصبح من واجب الجميع أن يكونوا أكثر حذرا، وأن يقوموا على خدمة غيرهم مع مراعاة الإجراءات الوقائية وهي مسؤولية كبيرة. وفي مثل هذه الحالات أصبحت مسؤولية المنزل من مهام الأبناء. بعض الآباء، للأسف، لم يدركوا أهمية استثمار هذه الظروف في غرس قيم إيجابية جديدة لدى الأبناء، فزاد اعتماد الأبناء على الآباء والأمهات أثناء تلك الفترة سواء في الاعتماد على الوالدين في الدراسة، فقاموا حتى بأداء الواجبات وتقديم الاختبارات عنهم، مما أضعف كثيرا من تحصيلهم الدراسي ومن قدرتهم على الاعتماد على النفس، مما ينعكس سلبا على سلوكياتهم داخل الأسرة وخارجها. الى ذلك، أهمل بعض الأهالي متابعة الأبناء في خدمة أنفسهم داخل المنزل، ولو بالحد الأدنى، فانصرف وقت الأبناء إلى النوم لساعات طويلة والانشغال بمواقع التواصل الاجتماعي فيما لا يعود بالنفع، بل يسهم في قتل الوقت وإضاعته. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان