"مساحات الكلام" تغيب عن الصغار والحوارات يعقدونها افتراضيا

مساحات الكلام تغيب عن الصغار والحوارات يعقدونها افتراضيا
مساحات الكلام تغيب عن الصغار والحوارات يعقدونها افتراضيا
تغريد السعايدة لم تكن تدرك رجاء عبدالله، خطورة ما يحدث مع أولادها الثلاثة، إلا حينما تكررت حالة الصمت التي تعمّ عليهم في أي جلسات عائلية ومع الأقارب والأصدقاء، فلا يتجاوبون نهائيا في حين وجه إليهم أحدهم أي سؤال وكأنهم في جزيرة معزولة. في حال الخروج من البيت، يشترط صغارها أن يصطحبوا معهم أجهزتهم اللوحية، للتسلية بتطبيقات الألعاب، فهم لا يندمجون في جلسات الكبار، لكنها لم تكن تعرف مدى التأثير الكبير، والإحراج الذي يسببونه لها في حال سأل أحدهم عن أحوالهم وتناقش معهم في موضوع ما. إذ ينظرون له ويعودون لأجهزتهم، وكأن لا أحد يكلمهم، فاقدين التركيز تماما بما حولهم، وكل ما يلفت انتباههم الجهاز الذي بين أيديهم. “شو أولادك ما بعرفوا يحكوا؟”، تلك الجمل باتت رجاء تسمعها باستمرار من قبل من حولها، مبينة أنها تحاول الآن تحديد ساعات استخدامهم لهذه الأجهزة، علّهم يكونون على تواصل أكبر من محيطهم الحقيقي. وبعد ثلاث ساعات متواصلة من جلسة عائلية ولمرات متكررة؛ لاحظت والدة ريتاج (14 سنة) أنها لم تدخل في أي نقاش أو حوار مع الحضور، وطيلة تلك الفترة كانت في حوار “افتراضي” مع صديقاتها ليكون الصمت الاجتماعي هو ما بات مُلاحظا عليها. تقول والدة ريتاج أن هذا الأمر بات يزعجها بشكل واضح، ويزداد تنبيهها لابنتها أكثر من مرة خلال الجلسة، ولكن سرعان ما تعاود خفض رأسها وتعود لشاشتها مباشرة، ما جعلها بالفعل شخصا انطوائيا مع المحيطين، ولكنها “فضفاضة العلاقات والحوار مع صديقاتها عبر التواصل الافتراضي”. في الوقت الذي تشدد دراسة ألمانية حول استخدام الأطفال للهواتف، على أهمية إبعادهم قبل سن الـ11 عن الأجهزة الذكية واللوحية بشكل كامل، حذرت دراسة أخرى كذلك من استخدام الأطفال المفرط للهواتف الذكية، بعد أن كشفت النتائج أن 74 % من الآباء والأمهات يشعرون بالفرحة أمام قدرة أطفالهم على التحكم فى الأجهزة الذكية. كما بينت الأرقام أن 68 % من الأمهات يتركون أولادهم يلعبون على الهواتف، فيما هناك ما نسبته 31 % من الأمهات لم يتمكن من معرفة في أي شيء يتصفح أبناؤهن، وإن هناك ما نسبته 37.4 % يقضون ساعتين على الهواتف الذكية على مدار اليوم، وهناك 38.2 % يقضون فترة تصل إلى 4 ساعات، و16.4 % من الأطفال يقضون مدة تصل إلى 6 ساعات. هذه الأرقام الكبيرة والخطيرة، يُجمع المختصون على أنها هي الطريق الذي يمهده الأهل للأبناء ليكونوا غير قادرين على التركيز في باقي تفاصيل الحياة الأخرى، وبخاصة الحوار والجلوس مع الآخرين لساعات طويلة، ويحفزهم الهاتف والاستمتاع به إلى تفضيل الجلوس وحيدين على “مجاملة الآخرين” والمشاركة في أي حوار. وفي ذلك، تبين الخبيرة والمستشارة التربوية الدكتورة سعاد غيث أن قضاء الأطفال واليافعين أوقاتا طويلة وهوسهم بأجهزتهم الذكية، له تأثيرات تتعلق بنموهم الجسدي والمشاكل الصحية التي أصبحت تظهر لديهم، وبنموهم الحركي وعضلاتهم والمتاعب التي يعانون منها نتيجة للاستخدام الطويل للهاتف من دون ممارسة نشاطات أخرى كالحركة الطبيعية أو عمل نشاطات بدنية تؤثر إيجابا على نموهم الجسدي. أما فيما يتعلق بالناحية النفسية وتأثر لغة الحوار، فإن متابعة الطفل لمقاطع “يوتيوبرز وألعاب ومواقع مختلفة” لأوقات طويلة، قد يؤدي لعزلة الطفل وتفضيله للعالم الافتراضي وللأشخاص المجهولين أو الغرباء أو المؤثرين، على حد تعبير غيث. ووفق غيث فإن تفضيل شخوص العالم الافتراضي على الواقعي، يترك آثارا سلبية، وما يشاهده الطفل على مواقع التواصل والقنوات المختلفة، قد يصور الحياة بطريقة نموذجية أو مثالية، وهو ما لا يتمتع به الطفل في الحياة العادية. من هنا، من الممكن أن تتأثر مشاعره ويبدأ شعوره بالنقص وقلة الحيلة، كما في متابعة الفتيات في مرحلة المراهقة لبعض “المؤثرات في عالم الموضة والأزياء”، وهذا ينجم عنه شعور بعدم الرضا عن شكل الجسم والشكل، ما يسبب لهن الضيق والإزعاج وعدم تقبل الذات، والذي قد يتحول إلى عزلة وفقدان لغة الحوار مع الآخرين. من جهتها، تتحدث اختصاصية علم النفس والنمو الاستشارية الأسرية الدكتورة خولة السعايدة أن عزلة الأطفال أو اليافعين سببه إدمانهم على الأجهزة التي تكون السبب الرئيسي في قلة تفاعلهم وتواصلهم مع الآخرين، وندرة التفاعل والذي ينعكس بالتالي على مخزونهم اللغوي ومهاراتهم الاجتماعية والتواصل بالكلام. وتعتقد السعايدة أن ما هو ملاحظ على الأطفال في هذه المرحلة من هدوء غير مبرر في الجلسات الاجتماعية، تتضمن الحدة أو الجمود في الأسلوب عند الطلب أو السؤال أو الشكر، وذلك لأنهم يقضون ساعات طويلة أو غالبية وقتهم على الألعاب الإلكترونية ووسائل التقنية الحديثة، ما يقلل من التفاعل مع الآخرين ومهارات التواصل. وتشدد غيث على أن المحتوى المعروض عبر مواقع التواصل الاجتماعي يؤثر على الأبناء وعلى سلوكياتهم، على الرغم من وجود بعض المنافع، ولكن الخوف يكمن في الاستخدام المفرط بشكل يحد من تفاعل الطفل مع أهله وأشقائه وأقرانه، ويحد من ممارسته للنشاطات البدنية والألعاب التقليدية في الساحات والملاعب وأيضا تبادل الحديث والحوار وتقديم أنفسهم بشكل واقعي. وبالتالي، فإن جميع ذلك يؤثر على مهارات التواصل وحل النزاعات والمشكلات فيما بينهم، وفي التفاوض مع الآخرين، كما تشير غيث، وتقول “نحن فعلا نخشى من هذه التبعات الاجتماعية”، فالمراهق المرتبط كثيرا بهاتفه ولساعات طويلة يهمل دراسته وتتولد لديه مشاكل دراسية وضعف في الكتابة ضمن القواعد اللغوية السليمة وطرق التعبير. وعلى الرغم من أن السعايدة ترى أن هناك بعض النقاط الإيجابية خلال استخدام الأطفال الهواتف الذكية نوعاً ما، فإن ذلك يعتمد على المحتوى الذي يشاهدونه والفترة المخصصة لذلك، كما أن منهم من يستفيد مصطلحات ولغة جديدة تساعدة في تطوير مهاراته اليومية والتعليمية، لكن كل ذلك يعتمد على طريقة التعامل مع هذه التطورات. وقدم موقع “فوكوس” الألماني مجموعة من الخطوات التي يمكن أن تساهم في حماية الأطفال من أخطار مواقع التواصل الاجتماعي، من بينها الحديث بشكل دوري مع الطفل من أجل بناء جسور الثقة معه، وتوضيح بعض “العادات” التي توجد على هذه المواقع وكيفية التعامل معها، بالإضافة إلى تحديد المخاطر الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي. اقرأ أيضاً:  اضافة اعلان