مستشفى أميركي بغزة: طب أم قاعدة "تجسس"

tnefama2
tnefama2

نادية سعد الدين

عمان- تجري الاستعدادات الحثيثة، حالياً، لاستكمال تجهيز المستشفى الميداني الأميركي الذي يقام، لأول مرة، في قطاع غزة لاستقبال المرضى قريباً، وذلك على وقع استمرار ردود الفعل الفلسطينية المناهضة لإنشائه والتي ترى فيه قاعدة عسكرية أمنية "تجسسية"، وليس مجرد صرح طبي للعلاج.اضافة اعلان
ولم تفلح الأصوات الفلسطينية المضادة في وقف هدير العمل المتواصل بالمشفى، إزاء إصرار حركة "حماس" على مواصلة بنائه، بوصفه مركزاً طبياً متقدماً لعلاج مرضى أهالي القطاع، معتبرة أن المعارضين لإقامته، لاسيما من حركة "فتح"، "يريدون إبقاء الحصار على غزة واستمرار أزمتها الإنسانية والصحية"، بحسبها.
ويبدو أن موقف "حماس" المُشجع بقوة لإقامة المشفى، رغم المحاذير المحيطة به، يثير استغراب القوى الفلسطينية المعارضة لوجوده، والذي يأتي في إطار تفاهمات التهدئة الهشة التي توصلت إليها الفصائل في غزة مع الاحتلال الإسرائيلي، وتحت الرعاية المصرية والأممية والتمويل القطري، وبإدارة مؤسسة أميركية غير حكومية.
ويكمن المحذور في هدف إقامة المشفى؛ فالإدارة الأميركية التي حجبت، مؤخراً، المساعدات المالية المخصصة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، قد قررت مد يد العون الطبي لعلاج المرضى والمصابين في غالبيتهم من آليات الاحتلال الحربية، التي تمولها الولايات المتحدة بحجم مساعدات عسكرية سنوية يبلغ نحو 3.3 مليار دولار، عدا خمسة مليارات لتمويل مشاريع مشتركة للحماية من الصواريخ.
كما لجأت واشنطن إلى قطع تمويلها الكامل عن ميزانية وكالة الغوث الدولية "الأونروا"، والمقدر بنحو 360 مليون دولار سنوياً، في الوقت الذي يعتمد فيه سكان القطاع، البالغ عددهم مليونان و140 ألف نسمة، 80 % منهم من اللاجئين الفلسطينيين، على مساعداتها، وذلك عقب قطع الدعم عن مستشفيات القدس المحتلة.
وبدلاً من قيام الإدارة الأميركية بإعادة دعمها أو إمداد المشافي الفلسطينية القائمة بالأجهزة والمعدات والأدوية والخبرات المطلوبة، فإنها "اختارت التوجيه بإقامة مشفى تتجاوز أهدافه حدود تقديم الخدمات الصحية للشعب الفلسطيني، كأن يشكل بؤرة اصطياد عناصر المقاومة أو تكريس وجود أجنبي فاصل عن الاحتلال"، وفق مسؤولين فلسطينيين.
فيما يثير مكان إقامة المشفى توجساً فلسطينياً، نظراً لقربه من السياج الأمني الإسرائيلي، شمال قطاع غزة، ومعبر بيت حانون "إيريز" الخاضع لسيطرة الاحتلال، إلا أن حركة "حماس" تؤكد بأنه سيخضع من ناحية التأمين الأمني لوزارة الداخلية الفلسطينية، في حين ستتولى وزارة الصحة الفلسطينية التنسيق الصحي للمرضى.
ويُلاحظ هنا أن الطاقم الأجنبي، وهو أميركي وأوروبي، المشرف على المشفى، إلى جانب الطاقم الفلسطيني، قد يقيم في منطقة قريبة منه في فلسطين المحتلة العام 1948، مما يُفسر، أيضاً، سبب اختيار موقعه لأغراض أمنية.
ولا يروق لكثير من الفلسطينيين مشهد وجود الطاقم الأميركي الذي يعكف على العمل في إنشاء المستشفى، وتركيب المعدات والأجهزة الخاصة به، بعدما وصلت مؤخراً عبر معبر كرم أبو سالم، جنوب شرقي القطاع، تمهيداً لافتتاحه.
وإذا كانت "حماس" تجد في المشفى طوقاً إنسانياً يساعد على إنتشال القطاع من مأزقه الصحي الناجم عن الحصار المفروض عليه منذ سنوات، إلا أن حركة "فتح" تنظر إليه بخطورة، بوصفه "قاعدة عسكرية أميركية"، وسبيلاً آخر لإحكام سيطرة "حماس" على السلطة في غزة، وتكريس الفصل بين غزة والضفة الغربية.
وقد عبر عضو اللجنتين "التنفيذية" لمنظمة التحرير و"المركزية" لحركة "فتح"، عزام الأحمد، عن ذلك بوضوح، حينما اعتبر أن إقامته يأتي "ضمن المخطط "الصهيوأميركي"، لعزل غزة وإقامة دويلة فيها، وتوفير عوامل البقاء لسلطة الأمر الواقع في القطاع، والحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة".
وأكد الأحمد "رفض القيادة الفلسطينية لهذه المشاريع التصفوية"، منوهاً إلى "عدم أحقية أحد لأن ينقل شيئاً للأرض الفلسطينية من دون موافقة منظمة التحرير، بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني".
وفي نفس السياق؛ رأت "فتح"، في بيان أصدرته، بأن "ثمن المستشفى قيام الولايات المتحدة بإدارة "صفقة القرن" التصفوية عبر التعامل مع "حماس" واعتمادها بديلا عن منظمة التحرير التي ترفض التعامل قطعياً مع الإدارة الأميركية" على حد وصف البيان.
وقالت الحركة إن هذه المواقف "دليل على مستوى التنسيق بين حماس والحكومة الإسرائيلية"، بحسبها، معتبرة أن الطريق الأنسب "لتخفيف معاناة أهالي القطاع تتمثل في إنهاء الانقسام والعودة إلى الشرعية الوطنية"، وفق قولها.
وقد وصل الأمر بدار الإفتاء الفلسطيني إلى التحذير من تداعيات إقامة المستشفى الميداني الأميريكي، "غير البريء من الشبهات والتسييس المعادي"، داعية أبناء قطاع غزة إلى عدم التعاطي معه، وأخذ الحيطة والحذر منه.
وقال المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ محمد حسين، إن "ظاهر هذا المستشفى فيه الرحمة، ومن قبله العذاب، ولا يفترق كثيراً عن صورة مسجد الضرار الذي أمر الله سبحانه بهدمه، ومنع رسوله، صلى الله عليه وسلم، من الإقامة فيه، لما يحمله من فساد للدين والمؤمنين وعبادتهم".
وأضاف الشيخ حسين، في تصريح له أمس، إن ما وصفه "بمستشفى الضرار الأميركي"، يأتي في "وقت تمنع فيه أميركا المساعدات السياسية والمالية عن الشعب الفلسطيني الصامد، وتهدي أراضيه للمستوطنين، وتتآمر على القدس والمقدسات الدينية، وتفرض العقوبات المالية على الاقتصاد والمشافي والمؤسسات الفلسطينية، وتحارب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
بينما تعتبره القوى والفصائل المعارضة لوجوده مجرد "قاعدة أميركية عسكرية تجسسية"، تحت غطاء مشفى للعلاج.
فقد أكدت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أنها لم تكن جزءاً من أي تفاهمات أو ترتيبات تتعلق بإقامة المشفى أو تصويره وكأنه "أحد إنجازات مسيرة العودة".
وحذرت الجبهة من "استخدام معاناة الفلسطينيين واحتياجاتهم لتحقيق أهداف سياسية معادية، معتبرة أن "الولايات المتحدة عدو رئيسي للشعب الفلسطيني، إزاء تحالفها الاستراتيجي مع الاحتلال، وسياستها وقراراتها الهادفة إلى تصفية القضية والحقوق الوطنية، وإلى تأبيد الاحتلال".
من جهتها، عبرت وزارة الصحة الفلسطينية، في رام الله، عن رفضها لإقامة المستشفى بدعوى أنه "يمس السيادة الفلسطينية والمشروع الوطني وحقوق الشعب الفلسطيني".
ورفضت مبررات حركة "حماس" بأنه ليس للمشروع أي دلالات سياسية، حيث جاء وفق اتفاق سياسي بينها والاحتلال وأميركا".
وكانت مؤسسة Friendships الأميركية غير الحكومية بدأت إنشاء المستشفى الأميركي الميداني شمالي غزة، وذلك بعد نقله من الجولان المحتلة إلى القطاع.