مستقبل الأردن

جرى الاحتفال بذكرى الاستقلال الـ 73 أمس وبعد عامين سنحتفل بمرور مائة عام على تأسيس الدولة الأردنية. في ذلك الحين عشية إعلان الإمارة العام 1921 أو حتى إعلان الاستقلال العام 1947 ربما ما كنا لنسمع رأيا واحدا يثق أن الكيان الوليد سيدوم طويلا، وكانت القناعة سائدة أن تقسيمات سايكس بيكو لا تمثل السكان بل مرتبطة بوجود المستعمرين وتنتهي برحيلهم، بل إن مؤسس إمارة شرق الأردن نفسه عبدلله الأول بن الحسين لم يكن يرى في سلطة الإمارة سوى نقطة ارتكاز مؤقتة لتحقيق الحلم العظيم بدولة كبرى للمشرق العربي.اضافة اعلان
كانت الأوضاع في المنطقة متحركة وقلقة وحبلى بالتطورات لكن الكيانات الناشئة ترسخت وأثبتت أنها تستند لأساس موضوعي بدليل ازدهار الوطنيات في حواضر المنطقة رغم الخطاب العروبي السائد ورغم أن سكان المناطق الحدودية المختلطة وخصوصا البدوية لم تر في الحدود إلا حواجز مصطنعة تعيق تنقلها الطبيعي في باديتها. فلسطين وحدها حرمت من دولة وطنية بفعل الاحتلال الصهيوني لكن ذلك ساهم بقوة في بلورة هوية وطنية فلسطينية توارثتها الأجيال في الوطن والشتات ورغم أن نكبة الـ 48 أطلقت مدّا قوميا هائلا لكن لم يتفوق أبدا على الكيانات الوطنية والأمر نفسه بالنسبة للمدّ الإسلامي اللاحق فالوطنية والمواطنة هي أساس الدول الحديثة مهما تلون النظام الساسي فيها بصبغات أيديولوجية وسياسية.
كل القلاقل الداخلية والحروب البينية وتغيير الأنظمة السياسية لم يغير إنشا واحدا على الحدود أو في حقيقة الكيانات الوطنية الناشئة رغم بعض الحوادث الخاصّة مثل انقسام السودان بالتراضي او وحدة اليمنين بالتوافق أو ضم جنوب الصحراء المغربية بقوة الأمر الواقع أو إعادة ترسيم بعض الحدود وفق مصالح واحتياجات الأطراف. لكن تغيير الحدود بالقوة قاد مثلا إلى حرب عشر سنوات مدمرة بين العراق وإيران انتهت بالعودة إلى نفس الحدود القديمة. حتى الطموح الكردستاني لدولة مستقلة ظلّ يتكسر على صخرة الواقع وآخر استفتاء على الاستقلال في كردستان العراق قوبل برفض إقليمي ودولي كاسح وخسر الأكراد كثيرا من المكتسبات "الاستقلالية" السابقة.
منذ الاحتلال الأميركي للعراق ثم مع الربيع العربي شهدنا تسريبات لخرائط وسيناريوهات إعادة تقسيم المنطقة ورسم الحدود واختفاء ونشوء دول ترسم على أساس ديني وطائفي وجيوسياسي لكنها جميعا محض خيالات، والحال حتى بالنسبة للدول التي شهدت اضطرابات خطيرة وحروبا أهلية لا أحد يجروء على طرح التلاعب بحدود الكيان الوطني القائم ناهيك عن وجوده نفسه وينطبق هذا على العراق وسورية وأقصى ما يطرح يتعلق بطبيعة النظام السياسي وفكرة الفدرالية لإرضاء المكونات المختلفة.
بالنسبة للاردن فإن التهديد الجدّي يأتي من الغرب من الاحتلال والتنكر لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة. فإذا لم يتحقق الوطن البديل سلما قد يظهر في إسرائيل من يقترحه حربا، ربما بإحداث قلاقل داخلية تبرر تدخلا عسكريا إسرائيليا ينتهي بتهجير أعداد ضخمة من الفلسطينيين. لكن سيناريو الوطن البديل السلمي أو الحربي يمكن إفشاله حتما إذا تصرف الجانبان الأردني والفلسطيني بثقة وحكمة وذكاء وتنسيق وثيق لإبقاء الأزمة محاصرة في الحضن الإسرائيلي حيث يتأكد أن منع قيام دولة فلسطينية مستقلة يفتح فقط على الدولة المشتركة على أرض فلسطين وهو ما يرعب الصهاينة أكثر من الدولة الفلسطينية المستقلة.
لقد عايش الأردن القضية الفلسطينية والقلاقل المحيطة عبر القرن العشرين كله ويمكن الاعتماد على ذكاء غريزة البقاء وحكمة القيادة واعتدال المزاج العام للسير بالسياسة الصحيحة لأن الحفاظ على الأردن واستقراره وأمنه هو قضية مصير وبقاء، ويحتاج الأردنيون فقط لتطوير قدرتهم على إدارة شؤون الحكم والتنمية بطريقة أفضل أي بمزيد من الديمقراطية ومزيد من المسؤولية والكفاءة.