مسرحية "البوابة 5": وطن بنكهة "الهجرة"

مشهد من مسرحية "البوابة 5" - (من المصدر)
مشهد من مسرحية "البوابة 5" - (من المصدر)

سوسن مكحل

عمان- انطلقت في المركز الثقافي الملكي، الأربعاء الماضي، عروض مسرحية "البوابة 5" للمخرجة الدكتورة مجد القصص وتأليف الروائية ليلى الأطرش، والتي تتناول عبر عمل تجريبي يشمل الرقص والغناء والتمثيل قضايا شرائح مجتمعية مهمشة.
وتناولت المسرحية المشغولة في قالب غنائي وراقص ممسرح أوضاع عدد من المواطنين الهاربين نحو "الهجرة" لظروف معيشية صعبة يحاولون الخلاص منها، لتتقاطع مصائرهم أمام المشاهد في هذا "الحلم".
وتبدأ المسرحية بالمشهد الأول على وقع نداء للمسافرين للتوجه للبوابة رقم "5"، التي ستقرر مصير الركاب في الحصول على التأشيرة للبلاد الأجنبية التي يرغبون بالسفر إليها، وتروي كل شخصية بالعمل مشوارها في وطنها وأحلامها بالوصول إلى الهجرة.
أما المشهد الثاني فهو التحقيق مع الطالبة التي ترغب بالهجرة لدراسة الإعلام، وتستفسر الجهة المخولة بمنح التأشيرات عن المبلغ المالي الذي تملكه، فتفسّر الفتاة أن المبلغ في رصيدها كان بسبب التجارة.
ويتطرق المشهد إلى الزيارات المتكررة إلى تركيا والتي تعللها الفتاة، بسبب تجارة الموضة التركية، في إضاءة سياسية واضحة على ما يحدث من تدخلات تركية في الشؤون العربية والعالمية واهتمام الدول الأجنبية بتلك الملاحظات.
في حين يعرض المشهد الثالث بالعمل أسباب الهجرة لفنان استحكمت ظروفه الاجتماعية بحياته، فصار محكوما عليه بانحياز إلى تيارات لم يكن جزءا منها بسبب أعماله الفنية فاختار الهجرة، ليؤنب بالمشهد نفسه رجل الدين الطالب لتركه ديار الإسلام والذهاب للكفار للدراسة.
تلاه مشهد الطالب الذي يسعى للخروج لدراسة علم الجينات، الذي اعتبر في بلاده نوعا من أنواع الاعتداء على الدين، ويتعرض أيضا إلى شبهات حول أمواله ومصدرها والتي يبررها بأن والده تاجر بالأراضي وعالم البورصة.
أما المشهد الخامس فيعلل أسباب التدخل الأجنبي والتي سمحت بالتفكير القصري للمواطنين بالهجرة، في إضاءات موسيقية وغنائية لفريق العمل، التي أكدت أن الأمر بات ممنهجا لكل مواطن وبسبب التدخلات الأميركية الصهيونية.
فيما قدمت المخرجة في المشهد السادس الكثير من المضامين التي تتعلق بالمتشددين المقبلين على الهجرة، وأضاءت على الفساد الذي يقومون به داخل الجميعات تحت ستار الدين، إضافة إلى محاولة رجل الدين نفي التهم عنه بحجة معارضته للدولة التي أقحمته في قضايا الفساد.
اللوحة السابعة تعود مع حوار بين الفرقة المسرحية والتي كانت منسجمة بالعرض بشكل كبير، لتنير المخرجة عبر نص الروائية ليلى الأطرش مدى دقة التفاخر بمنجزاتنا العربية حاليا، والبكاء على "الأطلال" كما يحدث في ظل عدم وجود علاج حقيقي لما يشهده الدين الإسلامي والدول العربية من تشويه مقصود أسهم في تشرذم هوية المعتقد والإنسان العربي أمام الحضارات.
استمرت المسرحية في تداول قصص الشخصيات، فكان المشهد الثامن مع قصة الفنان الذي يتردد في ختام المسرحية بقبول الهجرة، بعد أن يشعر بأهمية المحاربة في مجتمعه لحمايته من الانهيار.
وتدور قصة الفنان حول المجتمع الذي اتهمه بالكفر والانحياز لجهات حزبية.
أما اللوحة التاسعة فكانت مع أوضاع الحرب على غزة؛ المدينة الفلسطينية التي ما تزال ترزح تحت وطأة الدم والدمار والحروب والأوضاع الاقتصادية المعيشية الصعبة.
ليلة التحقيق مع أهل غزة (الزوج والزوجة)، يرمز فيها المشهد للتمييز العرقي الذي ما تزال الدول الغربية تتبجح في رواية استئصاله بالوقت الذي ما تزال تستخدمه ضد الآخرين.
فيما يتعرف الجمهور بالمشهد الحادي عشر على الثنائي العراقي الذي يمثل زوجا وزوجته يدافعان عن العراق وحضارته وأرضه ومجده، من ثم يأتي المشهد الذي يعرّف عن حياتهما وكيف اختطفت ابنتهما التي انضمت للعصابات المتطرفة، ورغم محاولة الزوج والزوجة اللحاق بابنتهما إلا أن الموظفة لا تمنحهما التأشيرة.
المشهد الأخير قدم عودة الموظفة لتوزيع التأشيرات على المواطنين والتي تنتهي بتنازل الفنان عن السفر إلى جانب العائلة "الغزاوية" وعدم قبول الثنائي العراقي بتلك التأشيرات.
المسرحية ناقدة بحجم آلام يمر بها المواطن العربي، ورغم أن العمل يبدو بعيدا عن الرمزية، إلا أن المهرجة استغلت السينوغرافيا كافة ووظفتها لصالح الرمزية، كما حدث في مشهد البحر لتتحول الإضاءة إلى اللون الأزرق؛ حيث انخفض الممثلون وكأنهم داخل نفق، إضافة إلى مشهد التفجيرات والقنابل بتصويبها على هيئة أسلحة وقنابل.
مسرحية لو تابعتها مرات عديدة ستكتشف رمزية جديدة مباشرة وسلسلة بإيصال رسالتها للمشاهد ودقيقة في تفاصيلها المشغولة بحرفية القصص التي تسعى حتى بإطار الرقصات لأن تكون معبرة بلغة الجسد وفيزيائيته كما في أعمالها السابقة، إلى جانب استخدام مكثف للإيقاعات.
القصص قالت في كلمة لها "إنّ هذا العمل المسرحي يأتي بعد انقطاع ثلاث سنوات، ونتيجة تعاون مشترك مع الروائية ليلى الأطرش للخروج بنص محلي يحمل سوية أدبية عالية يتناول قضايا المرحلة في إطار من الكوميديا السوداء التي تسخر من الواقع الأليم للمنطقة في ظل التعصب الاجتماعي والفكري وفقدان الحوار".
"بوابة رقم 5" هي الحكاية التي لم تنته بعد، تتخللها أغنيات فنية وطنية موجعة تأتي "كفاصل" بين حكاية وأخرى لتلك الشخصيات تجعل المتلقي يذهب مباشرة إلى أسئلة مفتوحة مغلقة تدور في القضايا ذاتها "إلى أين نرحل؟" و"متى نلتقي؟".
اللوحة الراقصة الأخيرة التي استغلت أيضا كتحية من الممثلين الذين تألقوا جماعة واختلفت مستوياتهم فرادى، حكت قصة وداع بين مسافرين وآخرين بانتظار سفر وأشخاص يحتضنون حقائبهم وهم على قيد الأمل بالسفر.
المسرحية نابضة بالغناء والحب والرقص ووجع الوطن، فالمشاهد لها سيرى الحقيقية كما هي بدون "تزييف" للواقع على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والدينية والتاريخية.
ويخرج المتلقي من العمل المسرحي وهو يستذكر مقتطفات أغنيات وطنية أصيلة ويسأل نفسه كما يردد أحد أبطال العمل ويغني "الناس لو تسألني عنك شرد أجاوبهم شقول... هذا مو إنصاف منك- غيبتك هالقد تطول".
أدى العمل المسرحي الذي تستمر عروضه حتى الثالث والعشرين من الشهر الحالي كل من؛ أريج دبابنة، طارق زياد، رناد ثلجي، زيد خليل مصطفى، مرام محمد، موسى السطري، محمد عوض الولي (كيمو)، نهى سمارة، يزن أبو سليم.

اضافة اعلان

[email protected]