مسرحية "بلادي": مرافئ الغربة تحت مجهر ناضج

مسرحية "بلادي": مرافئ الغربة تحت مجهر ناضج
مسرحية "بلادي": مرافئ الغربة تحت مجهر ناضج

 

محمد جميل خضر

عمان- من تأليف وإخراج الفنان المغربي إدريس الروخ، وتمثيل عبد الكبير الركاكنة وسعيد باي، قدمت مجموعة آدم للإنتاج الفني ومسرح السبعة بالتعاون مع مسرح محمد الخامس بالرباط في الليلة قبل الأخيرة من "ليالي المسرح الحر" في دورة المهرجان الثالثة مساء أول من أمس على المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي مسرحية "بلادي".

اضافة اعلان

وتناول العرض بلغة درامية شفيفة التحولات الدراماتيكية التي يعيشها المهاجر المغربي في فرنسا(كنموذج)، ورغم أن هذا الموضوع من المواضيع التي يلذ تناولها في المسرح المغربي والمغاربي، إلا أن الشحنة التي حملها نص إدريس الروخ عاينت مختلف جوانب الأزمة ولم تقف عند جانب واحد، وربما كان من حسن الحظ أن إدريس يخرج نصه، فيحكم لحظات الذروة فيه بناء على المتحصل في تنامي الاشتغال المسرحي عليه من ناحية التمثيل لا من ناحية الصياغة الأدبية، مما يشكل مجالاً حيوياً للاستئناف الإيجابي المستمر.

وربما يكون اللافت في بناء العرض، أنه كل متلاحم ومتداخل، فالبناء فيه جدلي، ومن هنا أيضاً جاءت جرأته في أن يبدأ عرضه من لحظة نهاية الحدث أو الحكاية، أي أنه بدأ من الذروة، وهذا يعني أننا أمام كشف مسبق للنتيجة، وهنا تصبح اللعبة أكثر خطورة وبحاجة إلى حرفة عالية أمتلكها العرض بأن أصبحت الإثارة تكمن في صياغة التفاصيل،

وتبدلاتها، وذلك لتحقيق المباغتة في التفاصيل، إذ إن النتيجة معروفة، ولقد حدث ذلك، حتى كدنا ننسى أننا نعرف النتيجة مسبقاً، كما جاءت الإثارة في الصياغة المتقنة الانسجام بين أداءين مختلفين وإيقاعين مختلفين أداهما الركاكنة وباي، كما لعبت عين إدريس السينمائية على المونتاج المشهدي، في كوادر سينمائية على مسرح فارغ إلا من جماليات الضوء الموزع بذكاء في المسرح، مانحاً المساحة الركحية الصغيرة اتساعا بحجم الخيال.

وحول الروخ عبر رؤية درامية متعددة الأقانيم المسرح العاري كوادر فضاء مرسوم بأناقة العارف، ولم يخش إدريس، بل ذهب بنا في عتمة وضوء شحيح، كي يغمر التلقي بموج المشاعر بالخوف والرهبة والضيق، وكي يؤسس جمالياً لعمق كادره السينمائي.

وفي توظيف مدروس للحظات المشاعر والدفء اللتين تميزان علاقاتنا الإنسانية، تلك التي لها وحدها أن تكسر برد الغربة وظلمتها، سارت منحنيات الحدث الذي بدأ بحفنة تراب وهمية يقبض عليها الحبيب(سعيد باي) والذي غيرته الغربة من طفل نقي إلى رجل مافيا، ليقف والدمع يترقرق في عينيه ليبدأ الحكاية من أولها، مروراً بتلك الكوادر الضوئية التي تحرك بها(عبدالقادر) عبدالكبير الركاكنة ليفترق الأخوان ويلتقيان، يصطدمان ويتعانقان، مدعماً ذلك بإيقاع حار واسترخاء المستغرق في الحالة حتى التوحد.

ومغايراً لمعظم عروض المهرجان التي شهدت توظيفاً للموسيقى على طريقة(وسائل الإيضاح وتفسير ما هو مفسر) جاءت مختاراته المسجلة والحية غاية في التوفيق، سواء في رائعة كاميليا جبران، أو بتوظيفه الدقيق لبيسان كمال خليل في لحظة درامية محددة.

حمل عرض "بلادي"، إجابات كثيرة على أسئلة تضمنتها العروض حول المخرج المفكر وفكر المخرج.

وعرضت في اليوم نفسه على المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي المسرحية التونسية اللبنانية المشتركة "كيفك إنت" إخراج حنان بلعيفة اعتورها هبوط في الإيقاع لم يخدم الوحدة الموضوعية المتكاملة التي يمكن أن تشكل بمجموع توافق عناصرها وتضافرها عوامل إنجاح للعرض.

وحظي جمهور المهرجان من الأطفال وعائلاتهم بعرضين(صباحي ومسائي) على مسرح أسامة المشيني التابع لمديرية الفنون في جبل اللويبدة، لمسرحية الأطفال "غريب في القرية" إخراج سمير خوالدة.