مسلسلات وترفيه.. وتخلف!

تفاجأت كثيرا من أن نسبة متزايدة من الأشخاص، ومن الجنسين، معظمهم شباب، يتابعون مسلسلات بشكل يومي. بعضها عربي، وأخرى مدبلجة. قد تشتمل الدراما على ثقافة ما، ولكن ليست هذه المسلسلات السطحية التي لا تشتمل على أي محتوى جاد أو مهم، فهي تنتج لاعتبارات تجارية ومحورها الأساسي عرض الأماكن السياحية والفخامة والعريّ!اضافة اعلان
في أحاديث جانبية جمعتني ببعض "مدمني الدراما الهابطة"، وبعضهم طلبة وموظفون، اعترفوا بأنهم يقضون أربع ساعات يوميا، بالمعدل، بمتابعة مسلسلاتهم وبرامجهم المفضلة. بعضها يبث على قنوات مفتوحة، وأخرى على قنوات بالاشتراك، وثالثة تتم متابعتها عبر الإنترنت.
هناك مقولة أرددها دائما، وهي أن نسبة السطحية والبلاهة والغباء والفقر المعرفي، تتناسب طرديا مع الفترة الزمنية التي يقضيها الشخص أمام التلفاز، خصوصا في العالم العربي الذي سيطرت عليه فضائيات تبث مضمونا ينحاز إلى الترفيه السطحي والغرائزي، ويبتعد عن المعرفة بجميع أشكالها، حتى الفضائيات الوثائقية يغلب على برامجها جانب الترفيه، وقليل من برامجها يمكن اعتباره معرفة. أما القنوات الإخبارية فهي تنطلق من انحيازات واصطفافات تسهم في تزوير الحقائق وشق الصفوف، والتعبير عن رغائبيات جهوية وإقليمية وطائفية!
قد يبدو هذا الكلام غير مهم عند كثيرين لا يتابعون الهاوية التي يقف العالم العربي على حافتها. لكن من الطبيعي أن يقودنا هذا الواقع إلى محاولة معرفة حجم الأموال العربية الطائلة التي يتم "استثمارها" في الترفيه، وفي شراء حقوق البث الحصرية لعشرات المسلسلات والبرامج السطحية كل عام، في حين تبخل الحكومات العربية في الإنفاق على البحث العلمي والتعليم وبناء المدارس وتحديث البنية التحتية في الجامعات، وتطوير أساليب التعليم ومناهجه!
في إطار الأمية، سجلت البرامج العربية لمحو الأمية فشلا ذريعا؛ إذ ما تزال النسب في ارتفاع، بوجود 54 مليون أمّي عربي، وبنسبة بلغت 27.1 %، مقارنة بـ16 % في العالم، بحسب الأرقام التي أعلنتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، مطلع العام.
المحبط أن "الألكسو" بينت أن العدد مرشح للزيادة في ظل الأوضاع التعليمية التي تعانيها الدول العربية التي تمر بأزمات ونزاعات مسلحة، والتي نتج عنها حتى الآن عدم التحاق قرابة 13.5 مليون طفل عربي بالتعليم النظامي.
أما عادات القراءة، فيوضح تقرير التنمية البشرية للعام 2011، أن "العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنوياً"، بينما الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنوياً، ما يمثل كارثة في ثقافة الفرد العربي.
وفي السلوك الثقافي، الذي يرصد عدد المكتبات والصحف وسنوات الدراسة واستخدام الكمبيوتر، وغيرها من المؤشرات، ما يزال العرب بعيدين أيضا، فتقرير موقع "غلوبال إنغليش إديتينغ" في العام 2017 عن عادات القراءة في العالم، تصدرته الدول الإسكندنافية، وعلى رأسها فنلندا، تبعتها دول غربية وآسيوية، أما العرب فلم يظهروا في مراتبه المتقدمة رغم ملياراتهم.
مؤشر الإنتاج العلمي، ميدان آخر للإحباط، فبحسب دراسة نشرت أواخر العام الماضي للباحث استيتو عبد الجبار، من جامعة عبدالمالك السعدي المغربية، فالعرب نشروا 26 بحثا لكل مليون فرد، وهو رقم بعيد جدا عن مستوى الإنتاج في الدول المتقدمة مثل فرنسا 840 بحثا، وهولندا 1252، وسويسرا 1878.
في مؤشر الإبداع والابتكار، لم تظهر سوى تونس والمغرب في أسفل ترتيب أول خمسين دولة على مستوى العالم، وهو المؤشر الذي يقيس سبعة معايير، أهمها الإنفاق على البحث والتطوير، وتركز الشركات عالية التقنية، لتحل كوريا الجنوبية في المركز الأول، تليها على التوالي: السويد وسنغافورة وألمانيا وسويسرا، بينما جاءت إسرائيل عاشرا، متفوقة على الولايات المتحدة بمرتبة.
لهذه الأسباب والمؤشرات جميعها، لا بد أن يزدهر لدينا الترفيه السطحي، ولا بد لشبابنا وشاباتنا أن ينخرطوا في متابعات يومية لمسلسلات وبرامج تستهلك الأموال العربية، وتهدر ساعات طويلة من حياة العربي، وتسلمه للضياع.