مسلمو الهند مرعوبون من احتمال ترحيلهم

بوجا تشانغويالا* - (فورين بوليسي) 21/2/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

جلست فيروزا بانو، 50 عاما، في منزلها في مدينة جايبور الهندية الشمالية. وبالكاد سافرت بانو، التي ولدت في ولاية راجاستان شمال الهند في العام 1970، إلى خارج الولاية -لكنها تواجه الآن احتمال طردها من بلدها الأم. وسوف يتطلب "قانون تعديل المواطنة" و"السجل الوطني للمواطنين" الذي يشمل كل الهند من بانو إثبات أنها هندية. وإذا لم تتمكن من تقديم المستندات المطلوبة، فإنها قد تفقد جنسيتها ويتم إعلانها متسللة. وفي أحسن الأحوال، قد تقضي عندئذٍ شهوراً في أحد مراكز الاحتجاز التي يتم بناؤها في جميع أنحاء البلاد لإيواء اللاجئين الذين تم خلقهم حديثاً -وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن يتم ترحيلها إلى بلد لم تعرفه مطلقا أو أن تُترك بلا جنسية.اضافة اعلان
تقول بانو: "لقد ولدتني أمي في المنزل. لم يتم تسجيل ولادتي مطلقاً، فكيف يمكنني استصدار شهادة ميلاد؟ كما أنه ليس لديّ سجلات مُلكية أو إيجار تعود إلى خمسة عقود ماضية. على الرغم من أننا مواطنون ملتزمون بالقانون، وقد عاشنا بسلام في الهند طوال حياتنا، فإنه قد يتم الإلقاء بنا خارج البلاد".
في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أقرت الهند "قانون تعديل الجنسية"، الذي يوفر طريقا للحصول على الجنسية لأعضاء من ستة مجتمعات للأقليات الدينية من باكستان، وبنغلاديش وأفغانستان -وإنما ليس للمسلمين. وإلى جانب "السجل الوطني للمواطنين" في عموم الهند، والذي يفترض أن يكون قائمة تعريفية تحدد المواطنين الهنود، يواجه القانون انتقادات لكونه معاديا للمسلمين وغير دستوري. وقد تم مسبقاً استخدام قائمة مماثلة في ولاية آسام لتحديد المسلمين المولودين في الهند والتهيئة لاحتمال ترحيلهم. وعلى الرغم من أن لأعضاء الديانات الأخرى الآن درع حامٍ في شكل "قانون تعديل الجنسية" كطريق للعودة إلى الجنسية الهندية إذا تم اعتبارهم غير شرعيين من خلال عملية "السجل الوطني للمواطنين"، فإن المسلمين ليس لديهم مثل هذا السبيل.
وهذه مشكلة كبيرة. فحتى اليوم، هناك 38 في المائة من الأطفال الهنود الذين تقل أعمارهم عن 5 أعوام لا يملكون شهادات ميلاد.
هناك مستندات بديلة يمكن أن تنوب عن شهادات الميلاد، ولكنها غالبًا ما لا تكون موجودة -خاصة بالنسبة لكبار السن. وأسباب ذلك متنوعة -قلة الوعي، ومراكز التسجيل البعيدة التي يتعذر الوصول إليها، وعدم وجود حاجة فورية لوجود هذه الشهادات للوصول إلى الخدمات الاجتماعية. وتشير البيانات الحكومية إلى أن 6.8 مليون ولادة لم يتم تسجيلها في الهند في العامين 2015-2016، وأن الوضع أسوأ بالنسبة للمقيمين الأكبر سناً، الذين ولدوا عندما كانت الولادات المنزلية أكثر شيوعاً في البلاد.
ثمة فجوة بين خطاب الحكومة حول "السجل الوطني للمواطنين" وما يعتقده النقاد بشأنه -لكن سجل ما تصبح باطراد حكومة قومية هندوسية يمينية في عهد حزب بهاراتيا جاناتا يجعل كلمة الحكومة موضع شك في أحسن الأحوال. وكان هناك اتجاه منهجي لجعل المسلمين كبش فداء تحت حكم حزب بهاراتيا جاناتا. وقد نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريراً في العام 2019، لاحظت فيه أن الحزب يستخدم "الخطابة المجتمعية" لتحفيز "حملة اقتصاص عنيفة"، والتي قامت على إثرها جماعات متطرفة لحماية البقرة بسحل 44 شخصاً حتى الموت، 36 منهم مسلمون، بين أيار (مايو) 2015 وكانون الأول (ديسمبر) 2018. وقبل فوزه الساحق في انتخابات 2019، استخدم حزب بهاراتيا جاناتا أيضاً الاستقطاب الديني كأداة في الحملات الانتخابية، والتي أطلقت وعوداً من نوع البناء المعجّل لمعبد في مكان مسجد تم هدمه في أيوديا.
بعد المصادقة على مشروع قانون تعديل الجنسية وتحويله إلى قانون مطبق، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد، مما أدى إلى مقتل 25 شخصا حتى الآن، وترك الآلاف في حجز الشرطة. وقد قللت الحكومة من شأن "السجل الوطني للمواطنين"، قائلة إنها ليست لديها خطط لتطبيق هذا السجل في جميع أنحاء البلاد على أسس دينية.
يأتي هذا على الرغم من الخطاب المتكرر من حزب بهاراتيا جاناتا حول المتسللين المفترضين من الدول الإسلامية. وفي ولاية البنغال الغربية، على سبيل المثال، صرح رئيس حزب بهاراتيا جاناتا، ديليب غوش، مؤخرا، بأن المركز ملتزم بـ"طرد" 10 ملايين مسلم من "المتسللين" من بنغلاديش وإخراجهم من الولاية، وأن الذين يعارضون هذه الخطوة "مناهضون للهندوس ومناهضون للبنغال ومناهضون للهند".
وقال رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، في كلمة ألقاها أمام تجمع انتخابي ضخم في نيودلهي في 22 كانون الأول (ديسمبر)، إن "قانون تعديل الجنسية" و"السجل الوطني للمواطنين" ليست لهما علاقة بالمسلمين الهنود، وإنه "لن يتم إرسال أي مسلم هندي إلى أي مراكز اعتقال". لكن ذلك الخطاب اتُهِم بأنه "مزيج من الأكاذيب ونصف الحقائق". ووصف المنتقدون "قانون تعديل الجنسية"/ "السجل الوطني للمواطنين" بأنها "أكبر عمل للتسميم الاجتماعي تقوم به حكومة في الهند المستقلة" على الإطلاق، والذي يهدف إلى جعل البلاد دولة هندوسية وتحويل عدد كبير من المسلمين إلى أناس عديمي الجنسية.
تقول زكية سومان، المؤسسة المشاركة لجمعية "بهاراتيا مسلم ماهيلا أندولان"، وهي منظمة وطنية على مستوى البلاد للدفاع عن حقوق المسلمين، إن هذه التطورات "الشيطانية" أدت إلى نشوء قلق كبير في المجتمع الإسلامي، الذي يشكل 14.2 في المائة من السكان الهنود. وتحدثت سومات عن تواصل الكثير من المسلمين مع "بهارتيا مسلم" من أجل فهم التداعيات والاستعداد لمواجهتها. وقد وزعت المنظمة ملصقات لزيادة الوعي وعقدت اجتماعات مجتمعية في 15 ولاية في جميع أنحاء البلاد.
وأضافت سومان: "بالنظر إلى أن قانون تعديل الجنسية تمييزي للغاية، فقد أثار المخاوف من أنه حتى لو كانت لدى الأشخاص مستنداتهم الصحيحة، فإنهم سوف يُتركون خارج السجل الوطني للمواطنين. يعتقد الناس العاديون، وليس بلا سبب، أن هذه محاولة لتجريدهم من جنسيتهم".
وقال رايس شيخ، وهو عضو في الجمعية التشريعية في ولاية ماهاراشترا بغرب الهند، إن الجمع بين "قانون تعديل الجنسية" و"السجل الوطني للمواطنين" أثار الذعر في جميع أنحاء المجتمع المسلم. وأضاف: "لقد تواصل معي رجال ونساء في الخامسة والسبعين من العمر، وطلبوا المساعدة في الوثائق. يزور مكتبي كل يوم 500 شخص على الأقل، ويعبرون عن مخاوف مماثلة. معظمهم يركضون الآن هنا وهناك من أجل إعداد مستنداتهم، ويتعاملون مع المحامين والوكلاء. إنهم خائفون من تجريدهم من جنسيتهم".
كانت ولاية آسام الشمالية الشرقية هي الولاية الهندية الوحيدة التي لديها "سجل وطني للمواطنين"، والذي تم إعداده لأول مرة في العام 1951 وتم تحديثه في العام 2019. وكان على سكان آسام البالغ عددهم 33 مليون نسمة إثبات جنسيتهم من خلال الوثائق، والتي يجب أن تثبت أنهم جاؤوا إلى الهند قبل أن تصبح بنغلاديش المجاورة دولة مستقلة في العام 1971. وقد استثنت القائمة النهائية، التي نشرت في شهر آب (أغسطس) 2019، 1.9 مليون طلب للجنسية. وزعمت "اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية" في وقت لاحق أن السجل الوطني للمواطنين في ولاية آسام كان أداة "لاستهداف الأقليات الدينية، و… لجعل المسلمين عديمي الجنسية". وقد تم بناء مراكز الاعتقال لهم هناك مسبقاً.
مع وضع آسام سابقة لما يمكن أن يحدث، تخشى الجالية المسلمة من التعرض للاضطهاد. وقد فتح مولانا خالد رشيد، رئيس "المركز الإسلامي للهند" في مدينة لكناو شمال الهند، خطاً للمساعدة منذ أسبوعين لتهدئة المخاوف ورفع الوعي بين أبناء المجتمع. وهو يتلقى ما لا يقل عن 150 مكالمة هاتفية يومياً من المسلمين الذين يشعرون بالقلق من احتمال طردهم من البلاد بسبب عدم وجود وثائق وبيانات قديمة لديهم.
ويقول رشيد: "من خلال خط المساعدة، نعلمهم بالوثائق التي سيحتاجون إليها لإثبات جنسيتهم. خلال إعداد سجل المواطنين لولاية آسام، تم استبعاد الكثيرين بسبب أوجه القصور في المستندات مثل الأخطاء الإملائية. نحن نطلب منهم التأكد من خلو أوراقهم من الأخطاء المماثلة. الجميع خائفون، وخاصة الفقراء".
وتقول نشأت حسين، مؤسسة "الجمعية الوطنية لرعاية المرأة المسلمة في جايبور"، إن العديد من المسلمين خائفون من المستقبل وقد انضموا إلى مسيرات الاحتجاج لمعارضة قانون تعديل الجنسية والسجل الوطني للمواطنين المثيرين للجدل. وقالت أن العديد من المسلمين لديهم الوثائق الأساسية والضرورية، مثل جوازات السفر وبطاقات "آدهار" التي تحتوي على أرقام هوية فريدة مكونة من 12 خانة للمواطنين الهنود. ومع ذلك، فإن هذه الوثائق قد لا تكون كافية.
وتقول حسين: "في ولاية آسام، تم إقصاء الكثير من الناس من السجل الوطني للمواطنين برغم امتلاكهم هذه الوثائق. إنهم يريدون وثائق عمرها عقود، والتي من المستحيل العثور عليها."
لمساعدة المسلمين، أصدر مجلس الأوقاف في ولاية كارناتاكا، وهو هيئة قانونية في جنوب غرب الهند، مؤخرًا تعميمًا للمساجد، والذي أشار فيه إلى الحاجة إلى إعداد ملفات شخصية وعائلية لجميع المسلمين المقيمين في ولايته القضائية. كما يدعو التعميم المساجد أيضاً إلى الاحتفاظ بسجلات مع الوثائق المهمة لجميع المسلمين، بما في ذلك شهادات الميلاد والتعليم، وبطاقات الهوية الانتخابية، وبطاقات الحصص التموينية، من بين وثائق أخرى.
والملاحظات المعممة كما يلي: "يتم الإبلاغ عن نقاط خلافية حول إدراج الأسماء واستبعادها من السجل الوطني للمواطنين. وقد كشفت دراسة استقصائية حديثة أجرتها مختلف المنظمات غير الحكومية أن شريحة أكبر من مواطني مجتمع الأقليات تصبح محرومة من حق التصويت بسبب عدم التسجيل/ التحديث في القوائم الانتخابية لمختلف الدوائر الانتخابية. ولا يملك عدد كبير من المواطنين الوثائق الأساسية لإثبات محل إقامتهم في المنطقة المعنية".
يقول ب. أ. إبراهيم، مدير المجلس في ذلك الوقت، أن من الضروري أن تحتفظ المساجد بسجل للوثائق لأن بيانات المواطنين في المكاتب الحكومية يمكن أن تكون موضوعة في غير محلها أو أن تتعرض للتدمير بسبب الكوارث الطبيعية والحوادث غير المتوقعة. وقال: "لقد فقد الكثيرون مستنداتهم خلال فيضانات كارناتاكا في آب (أغسطس) 2019".
بالنسبة للمواطنين المسلمين على خط المواجهة، لا يبدو أن أي استعداد أو تحضير سيكون كافياً. وتقول نسيم قريشي، وهي امرأة في الرابعة والعشرين من العمر من ولاية راجستان، أنها تخشى أن تفقد أحبابها بسبب "قانون تعديل الجنسية" و"السجل الوطني للمواطنين". وتضيف قريشي: "أخبرني والداي أن لدينا أوراقنا حاضرة وبالشكل الصحيح، لكن العديد من أصدقائي المقربين وأقاربي ليسوا كذلك. ماذا لو طردوهم من البلاد؟ إنهم يبحثون عن تقسيم العائلات".

*صحفية ومؤلفة هندية حائزة على العديد من الجوائز. تكتب عن التقاطعات بين النوع الاجتماعي والجريمة والعدالة الاجتماعية والتنمية وحقوق الإنسان في الهند.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: India’s Muslims Are Terrified of Being Deported