مسنون يلجأون إلى دور الرعاية بحثا عن الرعاية وحفظا لكرامة آخر العمر

مسنون يلجأون إلى دور الرعاية بحثا عن الرعاية وحفظا لكرامة آخر العمر
مسنون يلجأون إلى دور الرعاية بحثا عن الرعاية وحفظا لكرامة آخر العمر

 إسراء الردايدة

عمان - في ثقافتنا الدارجة نحيل (عادة) وجود مسنين في إحدى دور الرعاية إلى "عقوق والدين" وإلى أبناء "تخلو عن آبائهم".

اضافة اعلان

إلا أن الصورة تنفتح على مشهد آخر في دار الضيافة "دار الاسرة البيضاء" كون معظم النزلاء هم الذين اختاروا اللجوء إلى الدار"حفظا لكرامة شيخوختهم".

نشأت اسكندر جاء الى الدار منذ اربع سنوات بعد ان غادرته زوجته وبناته الثلاث وهو على فراش المرض إلى بلد اجنبي دون ترك اي عنوان لهن.

ويصف اسكندر حالته بأنه كان دائم التفكير بهن مما أدى الى سقوطه عن سبعين درجة اثناء مشيه بسبب قلقه المستمر وذكره لهن كانت نتيجته كسرا في الحوض وبراغي مزروعة في جسده.

ولا يستطيع اسكندر الحراك دون جهاز "الووكر" الذي يستخدمه للحركة داخل الدار التي اختار المجيء اليها بنفسه من اجل الرعاية والاهتمام اللذن فقدهما من عائلته.

ويستهل اسكدر (54 عاما) قراءة الصحف بصفحة الوفيات التي دائما ما يتصور أن اسمه سينشر فيها في اليوم التالي .

ويفضل اسكندر البقاء في الدار رغم عرض إخوته الذين يزورونه بين الحين والآخر، استضافتهم له.

وإجمالا، تتباين الحالات التي تستقبلها دار الضيافة بين من أراد المجيء وحده وبين من أراد التخفيف عن عائلته لسوء الأوضاع الاقتصادية ومن هذه الحالات أبو أحمد الحوامدة.

وقد اختار الحوامدة (73 عاما) القدوم إلى الدار بحثاً عن الرعاية والراحة في شيخوخته لعدم قدرة ابنه على الاهتمام به لظروفه الاقتصادية الصعبة فهو أب لخمسة اطفال.

تعرض ابو احمد لحادث مرضي ادى إلى بتر ساقه اليسرى وهو ما أدى إلى الحد من حركته وملازمته لغرفته، يقرأ القرآن ويصلي ويتعبد خصوصا في رمضان.

وتزين غرفة ابو احمد صور جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبد الله اللذين قاما بزيارته أكثر من مرة مشيراً إلى السعادة العارمة التي تعتريه كلما استذكر هذه اللحظات التي استشعر فيها اهتمام  جلالة الملك وتقديره للمسنين ورعايته لهم.

ووضح ابو احمد ان بعض أقاربه واولاده واخوته يداومون على زيارته رافضا المبيت لدى أي احد منهم للتخفيف عنهم.

ويصف حال الناس في رمضان في العصر الحالي بأنهم يفتقدون إلى الروحانية والإيمان وانهم لا يملكون أسس الترابط بينهم كما في السابق.

ويدعو أبو احمد شباب اليوم إلى تقوى الله فيما يفعلون وان يحترموا كبار السن ولا يغضبوا والديهم لأن رضا الله من رضا الوالدين.

وتؤكد رئيسة جمعية الأسرة البيضاء المسؤولة عن دار الضيافة للمسنين هيفاء البشير على حرص الدار تقديم الرعاية الصحية والنفسية كما وتحرص على تلبية احتياجاتهم كافة.

وتوضح البشير بأن عدد النزلاء في الدار يتراوح بين 120 إلى 130 نزيلا ونزيلة، لكل منهم جناح منفصل، يقوم برعايتهم طاقم على مدار 24 ساعة.

وعن الحالات التي تستقبلها الدار التي تقدم خدمة تطوعية للمجتمع برعاية هذه الفئة، تقول البشير ان الحالات تتراوح بين الاشخاص الذين ليس لهم أي أقارب وليست لهم القدرة على الانفاق على انفسهم أو أفراد يعانون من أمراض مزمنة تجعلهم غير قادرين على العناية بأنفسهم.

وتضيف البشير ان الحالات المقيمة لديهم تخضع لرعاية طبية من قبل الطبيب المقيم في الدار, فيما يتم تحويل الحالات التي بحاجة إلى عناية طبية أو مراجعات إلى مستشفى البشير.

وتوضح البشير ان الدار تتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية في استقبال بعض الحالات التي تحولها لهم وفق اتفاق بينهم حيث تتكفل الوزارة بدفع نفقاتهم ودفع مصروف شهري لهم.

وتشير البشير إلى ان الدار تسمح للنزلاء بالتنقل والخروج إذا كانت حالتهم الصحية تسمح بذلك إضافة إلى فتح أبواب الدار امام المجتمع المحلي لزيارة الدار والمسنين واستضافة أي مبادرة للاهتمام بهم.

والدار التي تستقبل النزلاء من كلا الجنسين فيها حالات لنساء كبر فيهن العمر وتقدم لدرجة لم يعدن يقوين على الاهتمام بأنفسهن او لا يردن ان يكن عبئا على بناتهن. ومنهن من لم تتبق لهن عائلة تهتم بهن في سن متقدمة من العمر وبقين دون مأوى.

وبعد إصابتها بمرض هشاشة العظام وعدم قدرتها على الاهتمام بنفسها كما في السابق، اختارت الستينية هند عبيدات القدوم للدار من اجل الرعاية بها.

لهند اخ واحد يقوم بزيارتها كلما استطاع، وفق قولها، ولكن الغلاء المعيشي الفاحش وارتفاع أسعار التنقل بين العاصمة عمان وإربد أديا إلى انخفاض عدد زياراته.

وتضيف عبيدات المقيمة فى الدار منذ ثلاثة اعوام أنها تفتقد قريتها وأصدقاءها خصوصا في شهر رمضان الذي تغير كثيرا عن السابق.

وتتابع أن الناس "زمان في رمضان" كانوا يهتمون ببعضهم ويتزاورون مع جيرانهم إلا انهم الآن باتوا لا يعرفون بعضهم وليست لهم المقدرة على تلبية معظم احتياجتهم نظرا لارتفاع الأسعار.

ويختلف الحال مع ام حسام، التي تقطن في دار الضيافة منذ ثماني سنوات، التي كانت آنذاك قادرة على التنقل وزيارة بناتها الاربع إلى حين خف بصرها لدرجة كبيرة ولم تعد ترى سوى ظلال خيالات خفيفة.

وتقضي أم حسام أياما عدة في زيارتها لبناتها اللاتي لا يأتين إلى الدار بل يطلبن منها المجيء إليهن وفق مواعيد يحددنها.

زكية أحمد لم يتبق احد من عائلتها إضافة إلى افتقارها الى المأوى. فقبل

مجيئها إلى الدار كانت زكية تعيش مع أخيها الصغير الذي ما لبث ان توفي تاركا إياها وحيدة تعاني من امراض الضغط والسكري ودون معيل أو رفيق.

وتقوم وزارة التمية الاجتماعية بشراء الخدمات الخاصة بالمسنين من دور الرعاية بما يقارب ثلاثمائة الف دينار سنويا، وفق ما صرح به مدير الأسرة محمد ابو شنب في وزارة التنمية الاجتماعية.

ووضح أبو شنب ان عدد دور الرعاية المنتشرة في المملكة يبلغ 11 داراً, ستة من هذه الدور خاصة فيما البقية تبعيتها تطوعية.

ويبلغ عدد المسنين في الدور في مختلف انحاء المملكة بمن فيهم المنتفعين على نفقة الوزارة (145 ذكرا و100 أنثى).

وبين أبو شنب أن الحالات التي يتم إلحاقها بدور المسنين من قبل وزارة التنمية الاجتماعية تنطبق عليهم شروط معينة منها ان يبلغ عمر المسن الذكر (60) عاماً و(55) عاماً للإناث. وعدم وجود لديه أسرة ترعاه او أن ظروف الأسرة لا تساعد على رعايته مادياً أو جسدياً.

ويشير إلى أنه في حال توفر مصدر دخل للمسنين (تقاعد مدني او عسكري أو مساهمة من ذويه) يتم اقتطاع المبلغ وتغطية باقي النفقات من وزارة التنمية الاجتماعية, كما ويتم تحويل الحالات التي لا يوجد مصدر دخل لها.

ويلفت ابو شنب إلى أنه يتم إعداد دراسة اجتماعية مدعمة بالوثائق الثبوتية وتقرير طبي وتقرير مصدر دخل, موضحا أن الوزارة تدفع مبلغ 230 دينارا عن كل مسن تحوله إلى دور الرعاية.

من جهته يدلل الاختصاصي الاجتماعي د. سري ناصر على أن وجود المسنين في دور الرعاية يعود إلى التفكك الأسري وان العديد من المسنين ساءت معاملتهم مما يدفعهم إلى الذهاب لهذه الدور.

ويضيف سري ان الدولة غير قادرة على تلبية كل الاحتياجات لهذه الفئة التي تزداد في المجتمع, مشيراً الى ان عدد دور الرعاية الخاصة أكثر من تلك التطوعية ومعظم مرتادي تلك الدور من العائلات الميسورة.

ويرى سري أن دور الرعاية التطوعية تفتقر في معظمها إلى الكوادر المتخصصة, لافتاً إلى ضرورة تفعيل دور الدولة والجمعيات الخيرية بشكل أكبر من اجل تقديم العناية والاهتمام لهذه الفئة التي تعد اساس المجتمع والعمل على توفير الكوادر المتخصصة للعناية بالمسنين.

ويبين انه من الضروري ان يجد كبار السن الاهتمام من اسرهم وصون مكانتهم في المجتمع كما كان الناس قديما يجلون كبار السن ويحترمونهم ويستمعون لنصائحهم ويعدونهم بالمثل الأعلى لهم, وهو الأمر الذي اختلف كلياً في الوقت الحالي.