"مسيرات الجائعين" تدق ناقوس الخطر

مسيرات المتعطلين التي بدأت من العقبة دقت ناقوس الخطر، وزاد القلق أكثر وأكثر حين توجهت مباشرة إلى الديوان الملكي، وبات مطلوباً تطويقها والتعامل معها بجدية حتى لا تصبح ظاهرة لا يمكن السيطرة عليها.اضافة اعلان
من المهم الاعتراف بشكل واضح أن مشكلة البطالة ليست مسؤولية الحكومات وحدها، وإن كان يقع على عاتقها مهمة التخطيط والتنفيذ لإيجاد الحلول، وبالتأكيد هذه الأزمة ليست وليدة عهد حكومة الرزاز، وإنما قديمة، وفي كل يوم يمضي تُصبح أكثر إشكالية.
لا أعرف حقيقة الأثر الناتج عن مسيرة العاطلين على صورتنا في مؤتمر لندن القادم وأولوياتنا، ولا أعرف أيضاً حكاية كل شخص شارك بالمسيرة ليعبر عن غضبه، ولماذا فعل ذلك، وهل أغلقت الأبواب في وجهه، وما هي الظروف التي عاشها حتى وصل لهذا الحال؟!
أزمة البطالة حين تُشخص جذورها لها سياق تاريخي وبنيوي، وتعود لعقود طويلة مضت حين كرست الدولة نهج الريعية، واستخدمت التشغيل في القطاع العام للتعامل وإدارة الأزمات المجتمعية وخلق التوازنات، واعتمدته أحياناً أسلوباً لشراء الذمم والولاءات.
هذا واقع كان حين كانت الدولة في "بحبوحة" اقتصادية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وحين كان الدعم يتقاطر علينا باعتبارنا من دول الصمود والتصدي، ولكن حين تغير الحال ما عادت الدولة قادرة على استيعاب آلاف الخريجين الذين تصدرهم الجامعات سنويا لسوق العمل.
كثيرة هي الاسباب التي ساهمت في وصول البطالة المعلنة رسميا الى 18 % وهي باعتقادي أكثر من ذلك، ومن الأسباب أن الأردن محاصر منذ عقود، فمنذ احتلال العراق للكويت العام 1990، وما تبعها من اسقاط لنظام صدام حسين العام 2003، وتداعيات ما سُمي "الربيع العربي“، ودخول سورية بحرب دموية، كل ذلك أثّر بشكل جوهري على الوضع الاقتصادي وعمّق الأزمة.
وتزامن مع كل ذلك تدفق مئات الآلاف من اللاجئين عبر هذه السنوات، مما شكّل عبئاً على الدولة واستنزف مواردها، ولم تنجح كل الجهود الدولية بالاستجابة الفعلية لها، ولم يُقدم الدعم الاقتصادي الكافي للأردن.
إذن جزء أساسي من الأزمة نتاج متغيرات وتحديات إقليمية خارجة عن إرادة الدولة، ولكن من المؤكد أن هذا لا يشكل كل الصورة.
فهناك أسباب ذاتية لا يمكن التنصل منها، أبرزها التعليم الجامعي وانتشار الجامعات دون رقابة وتخطيط لمخرجات التعليم، هل يُعقل أن تظل الحكومات المتعاقبة تتفرج على "الكارثة"، كل يوم يُدفع للسوق آلاف المهندسين المدنيين مثلاً والبطالة هائلة في هذا القطاع؟
نتحدث كل يوم منذ سنوات عن التعليم المهني والتقني باعتبارهما الحل والمخرج لإيجاد فرص عمل لائقة، ولا نفعل شيئاً، وإن فعلنا فالنتائج هزيلة.
ليست غائبة عن أحد حاجة السوق الملحة لفنيين مهرة، فالكل يشكو الحاجة لميكانيكي محترف، و"مواسرجي"، ولا نجد أحداً، فيجد الأشقاء السوريون مكانهم اللائق ويحق لهم أن "ندللهم".
توجد فرص عمل كثيرة للأردنيين إذا غيرنا السلوك والثقافة المجتمعية، فمثلاً كم حارس عمارة في عمان وحدها؟ ولو وضعنا نظاماً للحراس دون احتكار الشركات، ووضعنا راتباً معقولاً وتأمينا صحيا، وسكنا كريما، أعتقد أننا سنحل مشكلة 100 ألف أردني خلال شهور.
أذهب لقهوة في الدوار السابع عند الملكية الأردنية، ومنذ أشهر رغم الشتاء يبيع شخص باحتراف كبير الذرة المشوية والكستناء ويغلفها بشكل جميل، والجميع يحبه ويُسعد بوجوده، وهو يحقق دخلا ًورزقاً كريماً، أتمنى تشجيع هذه المبادرات فلا تأتي "أمانة عمان" لمنعهم.
ندرك أن على هامش سوء التخطيط لمستقبل الأجيال القادمة أن هناك ضغوطاً سياسية يتعرض لها الأردن لتمرير صفقات سياسية قادمة متعلقة بفلسطين، ونعلم أن بعض الأشقاء أداروا ظهورهم لنا وما عادوا يلتفتون لمساعدتنا، ولكن علينا أن نُثبت جدية في الحد من الفساد الإداري والمالي الذي "نخر" بنية الدولة، وعلينا أن نتبع سياسات ونضع تشريعات تشجع المستثمرين لا تُسارع بـ "تطفيشهم" من البلاد، ونعلم يقيناً أن سياسة فرض الضرائب وتوسيعها قد تحل المشكلات بشكل مؤقت، ولكنها تضرب الاقتصاد من جذوره، وتزيد من أزمات الناس وتُعمق مشكلة البطالة.
الأردن مُطالب وهو يذهب لمؤتمر لندن أن يؤمن مقاربات تنقذه من "مسيرات الجائعين" وتضمن المستقبل لشبابه، وتمكن الاقتصاد من النهوض.