مسيرة 10-5: أي صورة نريد؟!

نقف على أطراف أصابعنا بانتظار يوم الجمعة (5/10)؛ إذ سيشهد مسيرة "إنقاذ الوطن" لجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها من الحراكات الشعبية، من أمام الجامع الحسيني. ويعد قادة الجماعة أن تتجاوز أعداد المشاركين فيها الخمسين ألفاً، فيما أعلنت قوى شعبية وعشائرية (كما أطلقت على نفسها!) القيام بمسيرة مضادة من المكان نفسه وفي الوقت ذاته، ووعدوا بأن تكون أكبر من مسيرة "الإخوان".اضافة اعلان
الرسالة السياسية التي يسرّبها الإعلام الرسمي، وشبه الرسمي، لا تتمثّل اليوم –كالعادة- في ضمان حماية المشاركين في مسيرة المعارضة، طالما حافظت على سلميتها؛ بل للمرّة الأولى نقرأ خبراً بأنّ الأمن سيغيب عن محيط مسيرات الجمعة. وهو ما فسّره البعض بأنّه احتجاج على تصريحات زكي بني ارشيد بأنّ الأمن يحمي البلطجية ويرعاهم، فيما يمكن قراءة ذلك بصورة أكثر عمقاً، بأنّها محاولة لخلق حالة من الرعب والترهيب لدى المواطنين للحد قدر الإمكان من أعداد المشاركين في المسيرة.
يطلق الصديق حسين الرواشدة (في مقالته أول من أمس) مصطلح "عملية الردع" على ما يقوم به الإعلام المحسوب على الدولة اليوم من تهييج وتحريض وتجييش ضد جماعة الإخوان، واختلاق قصص سخيفة وممجوجة، تعكس عقليات تعود إلى العصر الحجري، ما تزال تدير أزمة العلاقة مع المعارضة، وهي التي تسيء إلى رواية الدولة وتضعف موقفها وتطحن صورتها طحنا بهذا التهريج الذي يمنح الإخوان مزيداً من المتعاطفين، ويخلق حالة من التحدّي لدى المعارضة بأسرها!
لو فرضنا جدلاً أنّ هذا "الردع" حقّق أهدافه مبدئياً، وحال دون زيادة أعداد المشاركين في المسيرة، إلاّ أنّ تأثيره الأكثر خطورة وسلبية يكمن في أنّه يطرح سؤالاً جوهرياً بشأن مصير موقف الدولة نفسها وميزانها الأخلاقي ومسؤوليتها عن حماية السلم الاجتماعي والأهلي والقيم الوطنية الجامعة، في ظل خطاب يكتسب طابعاً عنصرياً تحريضياً، ويتم الترويج له باسم الدولة والولاء، ويقسّم البلاد والعباد ما بين موالين وخونة في الخطاب الرسمي، أو مخبرين وشبيحة من جهة وإصلاحيين وأنقياء من جهة أخرى في خطاب المعارضة، ويعمّق من حجم الاستقطاب السياسي والشرخ الاجتماعي. ولا أعرف إن كان هذا فعلاً يخدم أيّاً من الدولة أو المعارضة، أو حتى طرفا آخر داخل المعادلة الاجتماعية والسياسية؟!
ذلك فقط فيما يتعلّق بالأجواء الحالية، أي ما قبل المسيرة، ولا يمكن أن نتصوّر أن يغيب الأمن فعلاً عن المسيرة، ويسمح بالاحتكاك، وإلاّ فإنّ هذا "السيناريو الجنوني" سيجرّ البلاد إلى حالة أخطر بكثير مما حدث في 24 آذار. وإذا ما حدث مكروه، لا سمح الله، فسيكون وبالاً على الوضع السياسي والاقتصادي والأمن الاجتماعي، وسيخلق جروحاً كبيرة!
دعونا نساير الرواية الرسمية، ونفترض أنّ الإخوان يريدون الاستقواء بالشارع، وإرسال رسالة بأنّهم الطرف الأقوى فيه، عبر هذه المسيرة، ثم ماذا بعد؟ هل سيغيّر ذلك من موازين القوى؟ سيعود الناس إلى منازلهم، ويتم تغطية المسيرة كأي حدث سياسي عابر، وتستمر الدولة في مسارها المرسوم. وفي النتيجة، ستكون الصورة الإعلامية والسياسية، الداخلية والخارجية، للدولة والمعارضة على السواء، بحفاظ الطرفين على مبدأ التعددية وحق الاختلاف، وسلمية الاختلاف السياسي.
أيهما أفضل، أو أقل ضرراً على الأقل، ويخدم الدولة أكثر: تلك الصورة الحضارية، أم لا قدر الله مشهد الاشتباكات والدماء ولغة التخوين والاتهام وتكسير هيبة الدولة والوطن وتفكيك لحمة المجتمع؟!