مشاريع إنتاجية قابلة للتطبيق

إبراهيم سيف

تتعمق الازمة الاقتصادية، ترتفع معدلات البطالة وتسعى الحكومة لإيجاد حلول سريعة تخفف من وطأة تلك المشكلة التي يمكن ان تأخذ اشكالا متعددة، لكن الحلول المتاحة ضمن السياق التقليدي ستبقى قاصرة عن معالجة الخلل الهيكلي الأساسي في الاقتصاد المتمثل بضيق القاعدة الإنتاجية ومحدودية الفرص التي يولدها الاقتصاد الى جانب نوعية الوظائف المولدة.اضافة اعلان
فهل من مخارج لهذه المعضلة التي كلما طالت سترافقها تداعيات غير محمودة، ولن نتمكن من الخروج منها بسهولة، إذ بات معلوما ان كلفة الحفاظ على وظيفة قائمة يقدر بضعفي كلفة خلق فرصة عمل جديدة، والحال كذلك يجب ان تنصب الجهود على توسيع القطاع الإنتاجي المكثف لاستخدام الايدي العاملة الذي يساهم بتعزيز الصادرات ويتمتع بميزة تنافسية.
لا خلاف ان هذه المعايير بديهية في تحديد الأنشطة الإنتاجية التي يمكن التركيز عليها وبناء نظام حوافز فعال حولها، ضمن هذا السياق هناك مشاريع طموحة تحتاج الى عزم وتصميم، والأهم انها ممكنة التطبيق ومعالمها واضحة.
الأول يتعلق بالربط ما بين قطاعي الطاقة -الفائضة زعما- والمياه، بحيث يتم تدشين مشاريع تحلية مياه بمزيج من الطاقة المتجددة التي انخفضت كلفها الى درجة كبيرة والطاقة التقليدية واستغلال تلك المياه لأغراض الزراعة في منطقة وادي عربة، بحيث تستحيل تلك المنطقة على غرار -الجهة الأخرى- جنة خضراء لإنتاج سلع يمكن تصديرها وذات قيمة مضافة عالية، توظف تلك المشاريع احدث التكنولوجيات وترتبط بقطاع اللوجستيات والنقل في العقبة ومطار عمان، هذا النوع من المشاريع انتاجي من الطراز الأول، يعزز من الاعتماد على الذات وهو ما تبدت أهميته مع جائحة كورونا وينادي به جلال الملك عبدالله الثاني، ومن الممكن تنفيذه من خلال عقد شراكات طويلة الأمد مع القطاع الخاص، وفي الحقيقة هذا المشروع …الحلم يمتلك الكثير من عناصر النجاح وحسب رأينا لا يعيقه سوى غياب الرؤيا الواضحة لأحداث تحولات نوعية في كيفية مقاربة المشاريع الكبرى والخروج من شرنقة تحليل الواقع والبكاء على الإرث المعقد الذي تواجهه الحكومات وتصوير الصعوبات التي تكتنف المسير في مشروعات توصف أنها "تحويلية" وطويلة المدى ولكن البدء فيها يمنح إشارات إيجابية لتحولات من الممكن ان تحدث اختراقات مهمة في المقاربة الاقتصادية والإنتاجية التي اتبعها الأردن على مدى عقود وبتنا أسرى لها في كيفية التعاطي مع التحديات الاقتصادية الهيكلية التي نواجهها. فالبحث عن حلول سريعة لا يجنبا التحديات الأساسية التي يجب التعامل معها.
المشروع الثاني يتعلق بالقطاع الصناعي، ويستند الى دراسة معمقة قام بها منتدى الاستراتيجيات باستخدام قاعدة بيانات جامعة هارفارد، تلك الدراسة حددت عددا من السلع التي يمكن ان يصدرها الأردن الى الأسواق العالمية، وهي سلع ينتجها الأردن بكميات متفاوتة لكن حجم السوق العالمي فيها كبير جدا قياسا الى صادرات الأردن من تلك السلع، وتضم قاعدة البيانات اعلاه مؤشرات حول الأطراف التي تقوم باستيراد تلك السلع المحددة في عدد من الدول وتفاصيل مهمة لإنجاز المعاملات التجارية، ولا نريد الاسترسال بتفاصيل تلك الدراسة التي تم استعراض نسختها الأولية مع غرفة صناعة الأردن، بل التأكيد على ان القطاع الخاص في هذه الحال هو المطالب بالتوسع في انتاج هذا النوع من السلع ويمكن للحكومة ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة البحث في طبيعة الحزم التحفيزية التي يمكن تقديمها لتشجيع التوسع في الإنتاج والتصدير والتشغيل للأيدي العاملة من الأردنيين، وهذا النوع من الحوافز هو الذي اتبع في الدول التي نجحت بإحداث تحولات عميقة خلال فترات زمنية قياسية مثل ماليزيا وكوريا وسنغافورة.
هذه المقاربات التي لا تحتاج رساميل هائلة هي التي ستساهم بإيجاد حلول طويلة المدى ولكنها تتطلب الالتزام برؤية واضحة توضع موضع التنفيذ وتعتمد على التنسيق بين العديد من مؤسسات الدولة. فهل يتم البدء ببعض هذه المشاريع والخروج من حالة اليأس التي تتعمق بمرور الوقت بسبب الانشغال بالتفاصيل اليومية وإطفاء الحرائق؟