مشاريع كبرى على المحك

سلامة الدرعاوي تحدثنا سابقا أن من أهم مظاهر الفشل الرسميّ في إدارة الاقتصاد الوطنيّ هو غياب المشاريع الاستثماريّة الكبرى عن المشهد الاقتصاديّ طيلة السنوات الماضية، بحيث أن حكومات رحلت دون أن تترك بصمة اقتصادية واضحة تحدث فرقاً ودعماً للاستقرار الاقتصاديّ العام. هذا الفشل لم يكن نتيجة غياب التمويل كما يعلله البعض، بالعكس كان التمويل متوفراً للكثير من الحكومات التي فشلت فشلا ذريعاً في توظيف المساعدات الماليّة الاستثنائية التي حصلت عليها لتنفيذ المشاريع الاستراتيجيّة التي تهم الاقتصاد الوطنيّ، كالمنحة الخليجية على سبيل المثال لا الحصر، فغياب التخطيط والإدارة الرشيدة في العقل الاقتصاديّ الرسمي للدولة كان واضحاً في هذا الأمر، لدرجة أن المراقب يشعر بأن بعض الحكومات فعلاً دخلت مرحلة الغيبوبة القسرية تجاه التخطيط التنموي للدولة. اليوم، هناك بعض المشاريع الاستراتيجيّة الكبرى التي دخلت في مراحل مهمة لتنفيذها، وهذه المشاريع لها ارتباط كبير بالأمن والاستقرار الاقتصادي للدولة، وله تداعيات إيجابيّة كبيرة على استمرارية تنافسية الاقتصاد في المستقبل ودفع عجلة النموّ للأمام، وهي بأمس الحاجة اليوم إلى إرادة حكومية جريئة في إحداث اختراق إيجابي للسير نحو إخراج هذه المشاريع إلى حيز الوجود الفعلي بعد أن تأخر تنفيذها لسنوات طويلة لأسباب متعددة لا مجال لذكرها اليوم في هذا المكان. مشروع الناقل الوطني الذي تناهز كلفته ملياري دولار، والذي يعتبر مشروعا مصيريا لاستدامة غالبية القطاعات التنموية للدولة والاستقرار السياسي والاجتماعي لها أيضا، فالأردن الذي يعتبر من أفقر عشر دول في العالم في الحصول على المياه بات اليوم يعيش في وضع مائي حرج للغاية لا يمكن الاستمرار بالسكوت عنه، فالأوضاع لم تعد تحتمل أي تأخير في السير بسرعة قصوى في إنجاز المشروع الذي سيؤمن للمملكة ما يقارب الـ300 مليون متر مكعب سنويا للمياه بواسطة تحلية مياه البحر. المشروع بحاجة إلى دعم حكومي شامل لتنفيذه من خلال توفير كل أسباب التنفيذ وإزالة أي عقبات تؤخره فوراً، وتنظيم هيكل التمويل الداخلي والخارجي له بعناية فائقة، وضمان جدوى المشروع حتى لو اضطرت الحكومة لكفالته أو تقديم دعم مالي مباشر له بواسطة الاقتراض، أو توسيع قاعدة المسؤولين من خلال تأسيس شركة مساهمة عامة محلية. التوسعة الرابعة لمصفاة البترول الأردنيّة والتي تقدر كلفتها الأولية بحوالي الـ2.6 مليار دولار، أحد أبرز المشاريع الصناعيّة للدولة ولها ارتباط مباشر بالأمن الاستراتيجيّ للدولة لما توفره من استدامة أكبر في قطاع الطاقة وتنويع المشتقات والمنتجات لكافة القطاعات بأعلى المواصفات، وبكميات تحقق الأمن في هذا القطاع المرتبط بكل العملية الاقتصاديّة في الدولة. هذا المشروع سيدخل بعد أيام في مرحلة استلام العروض من الشركات العالميّة المهتمة بالمشروع الذي يتطلب من الحكومة التفكير خارج الصندوق في تقديم كل التسهيلات والإعفاءات التي من شأنها إنجاز المشروع الإستراتيجي للدولة الأردنيّة في مئويتها الثانية. الحكومة مطالبة اليوم أن تحقق بصمة استثماريّة على أرض الواقع يكون لها أثر على الأجيال المقبلة، لا أن ترحل كما جاءت، لا بصمة ولا صورة حتى فيما يتعلق بالاستثمار، وتلحق الحكومات السابقة بالفشل الاستثماريّ الإستراتيجي للدولة.اضافة اعلان