مشاعر الوفاء.. قلوب تعيش على ذكرى أحبتها

Untitled-1
Untitled-1
ربى الرياحي عمان- في الحياة، قلوب تبقى وفية لذكريات لن تتكرر وأشخاص رحلوا بدون عودة وحكايات أوقفها القدر في منتصف الطريق ولم تكتمل ستظل حاضرة رغم غياب أبطالها. الكثير من الأشخاص اختبروا مرارة الفقد، وحرموا من أحبة كانوا يتشاركون معهم أدق التفاصيل وأجملها، لكنهم اليوم باتوا ذكرى تترجم صدق المشاعر وعمقها والوفاء كشعور حقيقي لا يقتصر فقط على الأحياء بل هو أيضا يشمل الأشخاص الذين رحلوا للأبد وما يزالون حاضرين رغم الفقد. ذكريات ومشاعر كثيرة تستعيدها مريم سامي التي فقدت زوجها قبل سنتين في حادث سير، تقول إنه لم يفارقهم أبدا هو موجود معها هي وطفليها تشعر بقربه منهم وبحبه الكبير لهم، فرغم مرارة الافتقاد التي تعيشها، إلا أنها ما تزال تستشعر وجوده حولهم في كل المواقف سواء المحزنة أو المفرحة تتحدث معه يوميا تخبره عن أصغر التفاصيل التي تمر بهم، كما أنها تحرص على ملء الفراغ الذي تركه غيابه المفاجئ، وتسعى إلى تذكير طفليها به. وتلفت إلى أن وجود الأشخاص لا يعني فقط وجودهم جسديا بيننا، بل وجودهم روحيا أقوى وأعمق، وهذا تماما ما تعيشه مع زوجها الذي تكن له الحب والاحترام والوفاء، معتبرة أن الغياب لا يلغي المشاعر أبدا بل غالبا ما يكون سببا في تجديدها وجعلها أقوى من قبل. وتؤكد أن الوفاء لأناس غابوا، ولكنهم حاضرون في القلوب، هو دليل على أننا ننتمي بصدق لكل لحظة جمعتنا بهم. "أبو إلهام" هو الآخر فقد ابنته قبل أشهر قليلة، يقول "كم هو مؤلم الاشتياق لأناس نعلم جيدا أننا لن نراهم ثانية وأن الحياة بكل قسوتها لم تترك لنا سوى بعض الذكريات"، مشيرا إلى أنه يحن لذكرياته معها ويفتقدها كثيرا، بالإضافة إلى أن غيابها الموجع أثر عليه نفسيا وجسديا. لكنه بالرغم من ذلك يشعر بقربها منه وبأنها حاضرة بروحها وبضحكتها الرقيقة العذبة وبقلبها الكبير الدافئ، يستشعر باستمرار حنيتها الشديدة عليه واهتمامها الدائم به وخوفها على صحته. يقول "إلهام هي قطعة من روحي وأكثر أولادي شبها لي"، فهو يتكئ على تلك التفاصيل التي عاشها معها والتي قد تكون قليلة، لكنها تحمل الكثير من الحب والدفء والفرح، مبينا أنه حتى بعد غيابها بقي وفيا لكل الطقوس التي كانت تحبها وتمارسها معه، وهذا ما دفعه إلى جمع كتاباتها في كتاب يحمل اسمها ليظل ذكرى تخلد أفكارها وإحساسها وتجعلها حية في قلب كل من عرفها وأحبها. وتعيش سلمى محمود الوجع ذاته، فهي أيضا فقدت أصغر أخواتها التي كانت بمثابة الأم لها، شعورها بالوفاء لتلك السنوات التي عاشتها مع أختها يجعلها أكثر تعلقا بذكرياتها معها ويزيد من شوقها لأيام لن تعود وحكايات لن تكتمل إلا بها. وتبين أن فقدها لأختها الصغيرة كان صدمة كبيرة بالنسبة لها لكونها الأقرب إليها وأكثرهن طيبة وحب وتفاؤل، لذلك ما تزال تفضي إليها بأسرارها حتى بعد رحيلها وتشركها بكل صغيرة وكبيرة تخصها كما لو أنها ما تزال على قيد الحياة، كما أنها تحرص على زيارة كل الأماكن التي كانت ترتادها برفقتها والتواصل مع صديقاتها المقربات. وتشير الأخصائية الاجتماعية ديما نصر إلى أن الحياة فيها الكثير من الصدمات، مثل الفقد والفراق الإجباري لأحبة كانوا وما يزالون يسكنون القلوب وغيابهم الأبدي سبب أوجاعا وآلاما ستبقى محفورة في الأعماق، موضحة أن تذكرهم والوفاء لكل لحظة عاشوها معنا يزيدان من الحب والتعلق بهم، وهما دليل على أنه من الصعب نسيانهم إن لم يكن من المستحيل. وتلفت إلى أن ما يشعر بها الإنسان عند فقده شخصا عزيزا عليه هي مشاعر إنسانية حقيقية تختلف من شخص لآخر، لكنها بالرغم من ذلك تظل محرضا على استحضار ذكريات كثيرة ما تزال حية حتى بعد غياب أصحابها. وتبين أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يجسدون الوفاء بأصدق معانيه ويحتفظون بكل التفاصيل سواء الصغيرة أو تلك الكبيرة التي تجعلهم أقدر على مواصلة حياتهم والإيمان بأن هؤلاء الأحبة الذين فارقوهم يشعرون بهم ويتشاركون معهم أحزانهم وأفراحهم. وتؤكد نصر أن الوفاء كإحساس صادق يعبر عن نقاء صاحبه واتسامه بالكثير من القيم النبيلة، وهذا يظهر جليا في التصرفات كحرص بعض الأشخاص على الفضفضة مع أحبتهم الذين توفوا وأيضا في الإبقاء على كلامهم وضحكاتهم وكل الطقوس التي كانوا يحبون ممارستها، بالإضافة إلى التواصل مع أشخاص أحبوهم وكانوا جزءا مهما من حياتهم. ويقول الأخصائي النفسي د.موسى مطارنة "إن مشاعر الوفاء لأشخاص فارقوا الحياة تعد من أجمل المشاعر، وهي حقيقة الإنسان الذي يبني الحب ويطبع آثاره في قلوب الآخرين"، مضيفا "أن هذه المشاعر تعيش بداخل الكثيرين منا فنراهم بأحلامنا، ونشعر بهم حولنا ونتذكر أفعالهم ويبنون بداخلنا هرما من الصدق والعاطفة الحقيقية والوفاء لهم بأن نبقى نذكرهم والدعاء لهم وأن نترجم أفكارهم ومبادئهم قولا وفعلا، وننقل الحديث عنهم لآبنائنا وللأجيال الأخرى".اضافة اعلان