مشروع قانون النزاهة ومكافحة الفساد لسنة 2015: تحليل أولي على ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد

د. محي الدين توق*

بنهاية العام الماضي، 2014، أقر مجلس الوزراء الأسباب الموجبة لمشروع قانون المركز الوطني للنزاهة لسنة 2014، والذي كان يقضي بإنشاء مركز وطني للنزاهة يخلف ديوان المظالم. ونُشر مشروع القانون على موقع ديوان التشريع والرأي. اضافة اعلان
ومن الواضح من دراسة الأسباب الموجبة ومشروع القانون، أن الحكومة كانت تهدف إلى إيجاد خلف قانوني لديوان المظالم "المظلوم"، الذي كانت وما تزال تنوي إلغاءه وإناطة صلاحياته بجهة أخرى، من ناحية؛ وإيجاد مظلة تشريعية ملزمة لتنفيذ بعض ما ورد في ميثاق النزاهة الوطني وخطته التنفيذية التي كانت تنقصها القوة الإلزامية، من ناحية أخرى. إلا أن الحكومة حسناً فعلت بأن تراجعت عن إرسال مشروع القانون ذاك إلى البرلمان، ووضعت عوضاً عنه مشروع "قانون النزاهة ومكافحة الفساد" لسنة 2015، الذي يجمع مهمات النزاهة في الإدارة العامة، ومكافحة الفساد، ومعالجة شكاوى المتضررين وتظلماتهم. والمهمة الأخيرة كانت في صلب مهام ديوان المظالم. وسأحاول في هذه العجالة الإجابة عن الأسئلة الثلاثة التالية:
1. ما مدى ملاءمة الأسباب الموجبة لمشروع القانون الجديد؟ وما هو الشيء الجديد فيه؟
2. هل يُمكّن مشروع القانون الجديد هيئة النزاهة ومكافحة الفساد المزمع إنشاؤها من القيام بمهامها وتحقيق الأهداف الموضوعة لها؟ وهل تتواءم مواده مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد؟
3. هل من الضروري حل ديوان المظالم؟
قبل محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، لا بد من التطرق إلى قضية مهمة، ألا وهي الاستقرار التشريعي.
إذ من الانتقادات المتكررة للإدارة العامة في الأردن، سرعة تغيير التشريعات وإنشاء مؤسسات وإلغاؤها أو دمجها، من دون إجراء دراسات معمقة لمدى الحاجة، الأمر الذي ينعكس سلباً على مدى ثبات التوجهات الاستراتيجية العامة للدولة.
ففي مجال مكافحة الفساد، تم إنشاء مديرية مكافحة الفساد في دائرة المخابرات العامة بنظام، العام 1996، على الرغم من أن التوصية في حينها كانت أن تكون هذه المديرية مستقلة. وبعد عشر سنوات، تم وضع قانون هيئة مكافحة الفساد رقم 62 لسنة 2006، وإنشاء هيئة مكافحة الفساد كهيئة مستقلة. إلا أن قانون الهيئة في حينه جاء قاصراً، على الرغم من أن المملكة كانت قد صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتزمت بما ورد فيها، الأمر الذي دعا إلى إجراء تعديلين أساسيين على قانون الهيئة في العامين 2012 و2014، لمواءمة القانون مع الاتفاقية. وقبل أن يجف حبر التعديلات للعام 2014، وضعت الحكومة مشروع قانون المركز الوطني للنزاهة لسنة 2014، وأرسلته إلى ديوان التشريع والرأي. إلا أنها عدلت عنه ووضعت بدلاً منه مشروع "قانون النزاهة ومكافحة الفساد لسنة 2015". وكذلك، كان قد تم تأسيس ديوان المظالم لتلبية مطالب بعض الدول المانحة العام 2008، ثم ما لبثت أن أعلنت الحكومة موته السريري العام 2014، ضمن ما سمي حينها "إعادة الهيكلة". وتريد الحكومة الآن ضخ دماء جديدة في "الديوان"، عن طريق دمجه في هيئة مكافحة الفساد، مما يدل كذلك على أن فهم فلسفة ديوان المظالم (الامبودزمان) وطبيعة عمله، ما يزال محدوداً، ولا يتجاوز فكرة الشكاوى والتظلمات.
أولاً: الأسباب الموجبة لمشروع قانون المركز الوطني للنزاهة
لا بد من القول، بداية، إن دمج مهام تعزيز النزاهة الوطنية مع مهام مكافحة الفساد والوقاية منه في هيئة واحدة، هو تطور إيجابي ومطلوب، لأن مكافحة الفساد ليست هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة من وسائل تحقيق وتعزيز النزاهة الوطنية، وهو أمر لطالما ناديت به.
وقد حدد مشروع القانون الأسباب الموجبة بسبعة أسباب، ثلاثة منها لا يوجد فيها أي جديد لأنها من صلب أهداف هيئة مكافحة الفساد القائمة، وهي: 1) ترسيخ مبادئ العدالة والمساءلة وحسن الأداء؛ 2) محاربة الفساد بكل أشكاله وملاحقة كل من يرتكبه؛ 3) مكافحة اغتيال الشخصية.
وسببان منهما مفرطان في العمومية، هما: 1) تفعيل منظومة القيم والقواعد السلوكية في الإدارة العامة وضمان تكاملها؛ 2) تعزيز الجهود المبذولة في مجال الإصلاح والتحديث وتطوير مؤسسات الدولة.
أما السببان المهمان والملائمان برأيي فهما: 1) ضمان الالتزام بمبادئ النزاهة الوطنية؛ 2) توحيد المرجعيات المتعلقة بالنزاهة الوطنية ومكافحة الفساد.
وكما هو معلوم، فإن ضمان الالتزام بمبادئ النزاهة الوطنية هو من صلب أعمال السلطات الثلاث؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية، بحكم الدستور، وأن هيئة من مثل المنوي إنشاؤها يمكن أن تسهم في هذا الأمر عن طريق مراقبة مدى التزام السلطات كافة بمعايير النزاهة الوطنية وتحديد مواقع الخلل، واقتراح سبل معالجتها، وسد الثغرات والفجوات. أما توحيد المرجعيات المتعلقة بالنزاهة الوطنية ومكافحة الفساد، وهي كثيرة، فإن مشروع القانون الحالي لم يقدم شيئاً في هذا المجال سوى دمج ديوان المظالم بهيئة مكافحة الفساد دمجاً اعتباطياً.
إن المرجعيات التي تعمل في مجال النزاهة ومكافحة الفساد، بشكل مباشر وغير مباشر، متعددة كما ذكرت، إذ يبلغ عددها ما لا يقل عن 18 جهة. ويمكن تصنيف هذه الجهات في أربع فئات:
1. المؤسسات الدستورية، وتشمل:
• الجهاز القضائي بما فيه النيابة العامة.
• البرلمان.
• ديوان المحاسبة.
• الهيئة المستقلة للانتخاب.
2. الدوائر والمؤسسات الحكومية، وتشمل:
• وزارة تطوير القطاع العام.
• البنك المركزي.
• وحدة غسل الأموال.
• ديوان المظالم.
• دائرة مراقبة الشركات.
• مؤسسة الغذاء والدواء.
3. المؤسسات المستقلة شبه الحكومية، وتشمل:
• هيئة مكافحة الفساد.
• المركز الوطني لحقوق الإنسان.
4. هيئات التنظيم، وتشمل:
• هيئة الأوراق المالية.
• هيئة تنظيم قطاع الكهرباء.
• هيئة تنظيم قطاع الاتصالات.
• هيئة تنظيم قطاع النقل.
• هيئة تنظيم قطاع التأمين.
ويمكن أن يضاف إلى هذه القائمة وحدات الرقابة الداخلية في الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية الأخرى، المنشأة بموجب بلاغات رئيس الوزراء.
وإذا كان من المتعذر، ومن غير المطلوب، توحيد هذه المرجعيات كافة في قانون واحد، إلا أنه كان من الأجدر أن يكون من بين الأسباب الموجبة لمشروع القانون التنسيق والتعاون بين هذه المرجعيات المتعددة، لكي تعمل معاً بشكل متناغم لتنفيذ سياسات واضحة ومحددة وفعالة، لترسيخ النزاهة الوطنية ومكافحة الفساد، وبالتالي تضمين مشروع القانون مادة لتنفيذ ذلك. إلا أن مشروع القانون الحالي لم يتضمن أي مادة يمكن أن تساعد في تأطير وتنسيق عمل هذ المؤسسات. وغياب التنسيق والتعاون بين المؤسسات الرقابية يعتبر من أهم المعيقات في قدرة هذه المؤسسات على تحقيق أهدافها بالشكل الأمثل، ما يجعل من مأسسة عملية التنسيق بينها حاجة ملحة. ولذا، فإنني أقترح أن تضاف مادة جديدة لمشروع القانون، تنص على إنشاء مجلس أعلى للنزاهة ومكافحة الفساد، يتولى رسم سياسات النزاهة ومكافحة الفساد، ومراقبة وتقييم تنفيذ الاستراتيجيات والخطط، ومراجعة التشريعات ذات العلاقة، ووضع معايير الأداء النزيه والمشرف والسليم لمؤسسات النزاهة ومكافحة الفساد كافة في الدولة، وضبط الجودة وتقييم الأداء. ومن الضروري أن يتمثل في هذا المجلس مندوبون عن الجهات الأربع التي سبقت الإشارة إليها.
ثانياً: هل يمكّن مشروع القانون الجديد الهيئة المزمع إنشاؤها من تحقيق الأهداف الموضوعة لها؟
في معرض الإجابة عن هذا السؤال، أود إبراز النقاط التالية:
1. إن أي هيئة تعمل في مجال تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، تكون قادرة على تحقيق أهدافها والاضطلاع بمهامها، بقدر ما يتوفر لها من الاستقلالية والموارد المالية والموظفين المتخصصين، والتدريب اللازم حسبما أشارت إليه المادة السادسة من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي صادق عليها الأردن في العام 2005. كما أن الاستقلالية والتمكين، بالإضافة إلى الإرادة السياسية، هي أهم عوامل نجاح هيئات النزاهة ومكافحة الفساد. ففي مجال الاستقلالية، خطا مشروع القانون خطوة رئيسة من حيث عدم النص على ارتباط الهيئة الجديدة برئيس الوزراء، كما هي الحال في هيئة مكافحة الفساد القائمة. إلا أن المشروع خلا من أي إشارة إلى الكيفية والآلية التي يتم بها اختيار رئيس وأعضاء مجلس الهيئة، بل نص على أنهم ينسبون إلى جلالة الملك من قبل رئيس الوزراء، لإصدار الإرادة الملكية بتعيينهم، وفي هذا الأمر مثلبة  واضحة تلقي ظلالاً من الشك على مدى استقلالية الرئيس والمجلس. وكان الأجدر اتباع الآلية التي يتم بها اختيار رئيس ومجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب؛ إذ يقوم جلالة الملك باختيارهم من قائمة يتم إعدادها من لجنة برئاسة رئيس الوزراء وعضوية كل من رئيس مجلس الأعيان ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس القضائي. على أن ينطبق الأمر نفسه في حال شغور موقع الرئيس أو أي عضو من أعضاء المجلس، لأي سبب من الأسباب.
ولإعطاء مزيد من الاستقلالية للهيئة الجديدة، أرى إما تعديل المادة 7-أ التي تحدد موجبات إنهاء خدمة الرئيس أو أي عضو من أعضاء المجلس خلال مدة المجلس، أو إضافة مادة جديدة تنص صراحة على عدم جواز إنهاء عمل الرئيس أو المجلس إلا للأسباب القانونية أو الأخلاقية المنصوص عليها في مشروع القانون. ذلك أن الجهة التي تملك حق التنسيب (رئيس الوزراء في هذه الحالة) تملك كذلك حق العزل أو إنهاء الخدمات حسب رأي بعض المجتهدين القانونيين. وقد شكل هذا الأمر بالذات معضلة قانونية عند إعادة اعتماد المركز الوطني لحقوق الإنسان في العام 2010، وقد تم إعلام هيئة الاعتماد في حينه أنه سيتم تعديل قانون المركز.
2. إن إقحام تلقي الشكاوى والتظلمات من قرارات الإدارة العامة في عمل هيئة النزاهة ومكافحة الفاسد، سيعمل على الحد من قدرة الهيئة الجديدة على قيامها بمهامها بفاعلية. فبالإضافة إلى أن هذا الأمر غير مألوف على المستوى العالمي، فإنه سيعمل كذلك، برأيي، على صرف جهدٍ ووقتٍ كبيرين لتلقي الشكاوى ومعالجتها على حساب العمل الرئيس للهيئة. إن المكان الأمثل لبحث شكاوى وتظلمات الموظفين والمواطنين العاديين من أعمال الإدارة العامة، هو المركز الوطني لحقوق الإنسان، الذي يختص، بحكم قانونه، بتعزيز الحقوق والحريات ومعالجة الانتهاكات. وللتدليل على هذا الأمر، فإن اللجان الدولية والإقليمية لهيئات المظالم، تحضر وتشارك في أعمال اللجنة الدولية للتنسيق والتعاون بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.
3. لم ينص مشروع القانون صراحة على أن من مهام الهيئة وضع وتنفيذ وترسيخ سياسات فعالة لمكافحة الفساد والوقاية منه، كما تنص على ذلك صراحة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وكما هو منصوص عليه في القانون الحالي لهيئة مكافحة الفساد. وعندما أشار مشروع القانون الجديد، في مادته الثامنة، إلى "السياسة العامة"، فإنه حددها بالسياسة العامة للهيئة وليس بسياسات النزاهة ومكافحة الفساد؛ والفرق بين الاثنين واضح. فمن الذي سيرسم سياسات مكافحة الفساد المنسقة والفعالة حسب منطوق الاتفاقية؟
4. من الأمور التي يمكن أن تحد من فاعلية الهيئة الجديدة، تعدد المهام الموكلة إليها، ووجود درجة لا بأس بها من التداخل بين مهامها ومهام السلطة التنفيذية، وبالذات مهام وزارة تطوير القطاع العام وديوان الخدمة المدنية، فيما يتعلق بشكل خاص بالتأكد من كفاءة وفاعلية وشفافية وعدالة إجراءات الإدارة العامة، والتزامها بمبادئ الحوكمة الرشيدة ومعايير المساواة والجدارة والاستحقاق وتكافؤ الفرص الواردة في الأهداف (أ-هـ من المادة الرابعة في مشروع القانون).
5. ضعف جانب الوقاية من الفساد في مشروع القانون. ففي الوقت الذي غطى فيه المشروع دور الإدارة العامة في القطاع العام، إلا أنه أغفل جوانب أساسية في الوقاية وردت بالتحديد في فصل التدابير الوقائية من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، مثل المشتريات العمومية وإدارة الأموال العمومية (المادة 9)، وإبلاغ الناس (المادة 10)، والتدابير المتعلقة بالجهاز القضائي وأجهزة النيابة العامة (المادة 11)، والقطاع الخاص (المادة 12)، ومشاركة المجتمع (المادة 13)، وتدابير منع غسل الأموال (المادة 14).
6. أسقط المشروع جرائم غسل الأموال كإحدى جرائم الفساد الواردة في الاتفاقية، على الرغم من أن قانون هيئة مكافحة الفساد الحالي ينص على هذه الجريمة بالتحديد. وبالتالي، سيتم كف يد هذه الهيئة عن هذه الجريمة الخطيرة في الجانبين الوقائي والجرمي. ولعل المبرر لذلك وجود قانون ووحدة متخصصة لغسل الأموال، إلا أن هذا المبرر غير كافٍ برأيي، لوجود ترابط قوي بين جرائم الفساد المختلفة وغسل الأموال من جهة، ووجود جانب وقائي مهم أرى من الأنسب أن تتولاه هيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
7. لم ينص مشروع القانون الجديد على شمول الموظف العمومي الأجنبي، وموظفي المؤسسات الدولية العمومية، بجرائم الفساد الحالي المرتكبة على أراضي المملكة، على عكس ما هي عليه الحال في قانون هيئة مكافحة الفساد النافذ، الأمر الذي اعتبر مكسباً تشريعياً يتماشى مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عندما تم تعديل قانون الهيئة في العام 2012.
8. أبطل مشروع القانون الجديد ندب مدعين عامين لدى الهيئة الجديدة، على عكس الحال في قانون هيئة مكافحة الفساد النافذ. وبرأيي، فإن هذا الإجراء، وإن لقي وما يزال يلقى مقاومة من النيابة العامة، فإنه مهد السبيل لسرعة التحقيق في قضايا الفساد من جهة، ووفر على الخزينة أموالاً كبيرة من جهة ثانية، وأوجد وضعاً من تكاملية العمل وروحاً تعاونية مشتركة في الهيئة. لذا، كان من الأجدر البناء على تجربة ناجحة بدل الاستغناء عنها كلية.
9. لم يعط مشروع القانون إلا اهتماما بسيطاً للفساد في القطاع الخاص، ولدور المجتمع المدني في الوقاية من الفساد ومكافحته وتعزيز النزاهة الوطنية، حين نص في المادة (4-د) على أن من أهداف الهيئة التأكد من قيام مؤسسات الرقابة على القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني بوضع معايير الحوكمة الرشيدة وسلامة تطبيقها. فعلى الرغم من أن هذا الأمر تطور جيد، إلا أنه غير كاف على ضوء ضخامة الفساد والتهرب الضريبي في القطاع الخاص.
10. جاء موضوع "إبلاغ الناس" المنصوص عليه في الاتفاقية، في مشروع القانون قاصراً، حين تحدث عن ضمان حق المواطن في الاطلاع على المعلومات وفقاً للتشريعات. والمقصود هنا بالضرورة قانون الحق في الحصول على المعلومات الذي يعاني من مثالب وثغرات كبيرة. إن المقصود بإبلاغ الناس في الاتفاقية أوسع بكثير مما ورد في مشروع القانون، ويتناول بشكل خاص اتخاذ ما يلزم من تدابير لتعزيز الشفافية في الإدارة العمومية، بما في ذلك ما يتعلق بكيفية تنظيمها واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها، والصكوك القانونية التي تهم عامة الناس وتيسير وصول الناس إلى السلطات المختصة، ونشر تقارير دورية عن مخاطر الفساد في الإدارة العمومية.
ثالثاً: هل من الضروري حل ديوان المظالم أو دمجه بهيئة النزاهة ومكافحة الفساد؟
إن فلسفة وطبيعة عمل مؤسسة "ديوان المظالم" عموماً (الامبودزمان)، رقابية بالدرجة الأولى. والهدف منها هو ضمان قيام الإدارة العامة بعملها بشكل عادل ومنصف وشفاف من جهة، وضمان حقوق المواطنين وحرياتهم من جهة ثانية. وقد تطورت فكرة "الامبودزمان" منذ ظهورها لأول مرة في السويد العام 1809، في اتجاهين مهمين: الأول، النزوع نحو التخصص. فهناك على سبيل المثال "امبودزمان برلماني" للتأكد من عدم تغول الإدارة العامة على حقوق الأفراد، وآخر خاص بالمنافسة الاقتصادية لخدمة مصلحة الجمهور، وثالث للمستهلكين لحمايتهم من قوانين السوق، وآخر للفرص المتساوية لضمان المساواة بين الافراد، وخامس للتمييز الإثني القائم على العرق أو اللون أو الجنسية أو الأصل الإثني أو الدين. والتطور الثاني، يكمن في قيام "الامبودزمان" بالتحقق من وجود مخالفات أو انتهاكات لحقوق الأفراد بمبادرة ذاتية؛ إما بناءً على معلومات ترد إليه، أو بناءً على ما ينشر في الصحف من دون انتظار تقديم شكوى أو تظلم. وقد أغفل المشرّع الأردني هذين التطورين بشكل لافت، حين قصر عمل ديوان المظالم القائم والعمل المطلوب منه في مشروع القانون الجديد، على تلقي الشكاوى والتظلمات، والتوصية بالإجراءات لحلها (المادة 4-ز، والمادة 8-أ-5 من مشروع القانون).
إنني لا أرى ضرورة لحل ديوان المظالم، ولا أعتقد أن دمجه بهيئة النزاهة ومكافحة الفساد يعكس فلسفة تشريعية واضحة ومتكاملة، بقدر ما أنه يلبي حاجة إدارية ومالية. ولكنني كذلك لست من أنصار بقاء عمل ديوان المظالم على ما هو عليه، بل يجب أن يتطور عمله على ضوء التوجهات الدولية التي أشرت إليها، ومنها تمكينه للتحقق من وجود مخالفات أو انتهاكات لحقوق المواطنين ذاتياً من جهة، وضمان عدم تغول السلطة التنفيذية من جهة ثانية، وضمان عدالة ونزاهة وشفافية القوانين والأنظمة من جهة ثالثة. وإذا كان لا بد من دمج "الديوان" لأسباب إدارية ومالية، فإن من الأجدر دمجه بالمركز الوطني لحقوق الإنسان، بحكم تشابه العمل والأهداف.

*وزير وسفير سابق، ورئيس اللجنة الدولية المتخصصة للتفاوض بشأن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد