مشعل وخطاب الفشل المبكر!

كان يتوجب على رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، أن يكون آخر المتحدثين في خضم الأزمة التي تعاني منها الحركة قائدةً للسلطة الفلسطينية؛ بل لربما كان عليه، إن هو أراد النجاح بأي درجة لتجربة حماس في السلطة، أن يكون من اللامتحدثين على الإطلاق في هذه الفترة! أما الاسباب الموجبة لهذا الموقف أو الاعتراض فهو تصريحات الرجل السابقة، مضمونا وزمانا ومكانا، تماما كما خطابه الانفعالي الأخير.

اضافة اعلان

ففي حديثه الهجومي على كل أركان السلطة من غير حماس، كان مشعل -ربما من حيث لا يدري- يعلن صراحة، وإن بأسلوب يوحي بالقوة والتحدي، عجز السلطة الفلسطينية "الحماسية" عن القيام بدورها؛ وأول المؤشرات على ذلك هو المتحدث ذاته الذي قرر أن يعلن للعرب والعالم أنه هو رئيس الحكومة الفلسطينية الفعلي وليس اسماعيل هنية الموجود في فلسطين، فكان أن تناول قضايا، يفترض بداهة التداول بشأنها، بل وحتى الاختلاف عليها، بين الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة هنية لا سواهما.

المفارقة أن التأكيد على هذا الاستنتاج بشأن عجز حماس السلطة جاء من الحركة ذاتها في الداخل، وعلى لسان الناطق باسمها سامي أبو زهري في سياق الدفاع عن تصريحات خالد مشعل، وذلك بقوله: "إن الشعب الفلسطيني سوف يسأل الحكومة وحركة حماس يوما ما عن وعودها بالإصلاح والتغيير، ولذلك فلا بد له أن يعرف الآن من وكيف ولماذا منعت الحكومة من تحقيق هذه الوعود؟"؛ فهل عجزت الحركة عن مصارحة الشعب الفلسطيني من الداخل؟! أولم يكن من الممكن أن يدعو هنية نفسه إلى مؤتمر صحافي أو مؤتمر جماهيري حاشد ليكاشف الشعب الفلسطيني بما قاله مشعل نيابة عنه من دمشق؟!

ربما أن المسألة كانت تقاسم أدوار يسمح للحكومة الفلسطينية بالتنصل من مواقف الحركة كمؤسستين باتتا مستقلتين إلى حد ما، لكن إذا اعتقد البعض أن السير على هذا الخيط الرفيع قد يقي حماس الحكومة داخليا، والواقع يكشف خلاف ذلك تماما، فقد فات ممارسي تلك اللعبة الخطرة أن يأخذوا المجتمع الدولي بعين الاعتبار في وقت تبدو فيه حركة حماس بأمس الحاجة إلى تقديم نفسها كقوة سياسية معتدلة بما يحقق طموحات الشعب الفلسطيني وحاجاته الاساسية، فلأجل الشعب الفلسطيني ذاته كان يتوجب، مرة أخرى، أن يكون مشعل آخر المتحدثين، أيا كان الوزن الفعلي الذي يشكله داخل الحكومة الفلسطينية!

فقبل فترة وجيزة، كان خالد مشعل يقف في طهران معلنا النصرة لإيران في مواجهة الغرب، ليس بسبب برنامجها النووي فحسب، بل وبعد تصريحات رئاسية إيرانية غامضة الدوافع والتوقيت حول ضرورة إزالة إسرائيل من الخريطة، وهي التصريحات التي تم توظيفها غربيا وإسرائيليا على الوجه الأمثل للتأكيد على طبيعة إيران العدوانية، ومعها كل حلفائها حتما. وفيما تستمر الأزمة العالمية مع إيران، وتحديدا على مستوى الرأي العام، فقد كان من الأولى إبعاد خالد مشعل ولو مرحليا على الأقل عن صورة حماس الحكومة الفلسطينية، لا أملا في التعاطف الدولي، بل أقله منع منح مبررات أخلاقية للحصار المفروض على الشعب الفلسطيني باسم "إرهابيتها"، وهي المبررات التي ستسمح أيضا بتقديم الشعب الفلسطيني وتنظيماته المقاومة كبش فداء على مذبح تسوية إيرانية-غربية نووية قادمة.

المؤشر الآخر على اعتراف حماس الحكومة المبكر بالفشل يظهر في كلمات مشعل نفسه؛ فشعار "الجوع ولا الركوع" الذي كرره في خطبته في دمشق لا يستقيم مع أولويات الحكومة الفلسطينية التي أشار إليها والتي "تتمثل في إيجاد حل لقضية القدس وحق العودة للاجئين وتفكيك المستوطنات والإفراج عن المعتقلين"؛ إذ كيف يمكن أن تحقق حماس هذه الأولويات بمزيد من العزلة الدولية؟! لكن الأهم في هذه الأولويات أنها ليست إلا محاولة للهروب إلى القضايا الكبرى التي تخاطب العواطف فقط، تلهيةً عن مواجهة الاستحقاقات المعاشية اليومية للشعب الفلسطيني، وبما يعيد إلى الذاكرة الخطاب القومي الرسمي العربي الذي لم يحرر أرضا ولم يصن كرامة إنسان من جوع أو امتهان!

أخيرا، وعلى صعيد المكان، فمن الضروري أن يجيب مشعل عن السؤال حول ما إذا كانت الأنظمة التي تستغل حماس اليوم لمصالح أشخاصها المحضة حريصة فعلا على نجاح تجربة الحركة في الحكم، أم أن مثل هذا النجاح سيكون التهديد الأول لتلك الأنظمة تحديدا، طالما أن ذلك سيغري الغرب ببدائل مجربة؟!

[email protected]