مشكلات ليس لها حلول

قد لا يدرك الغارقون في همومهم الشخصية، أو المبتلون بمشكلات مادية، سواء كانت من صنع أيديهم أو كانت بفعل ظروف خارجية طارئة، أنه إذا كانت هناك مشكلة فهناك حل؛ أي إن كل مشكلة لها حل في نهاية المطاف، باستثناء واحدة أزلية تلازم الإنسان من المهد إلى اللحد، ألا وهي التقدم في العمر، الشيخوخة ثم الموت، وهذه سنّة الحياة.اضافة اعلان
غير أن هذه القاعدة التي تنطبق على الحيوات الفردية، لا تسري بالضرورة الحتمية على المشكلات ذات الطابع العام، لاسيما القضايا الوطنية الكبرى والمعضلات الداخلية المعقدة، خصوصاً لدى الدول والمجتمعات التي تدخل على خط أزماتها وهي مدججة بالسلاح، وتسلم أمرها للجماعات التي لا تتقن غير لغة الحديد والنار.
وبنظرة عاجلة على ما يشهده العالم العربي من مشكلات متفاوتة الحدة، فإننا سنجد أن الأزمات التي كانت في بداياتها الأولى تحت السيطرة وقابلة للعلاج بالتسويات السياسية، قد أخذت تشتد أكثر فأكثر مع مرور الوقت، وتدخل في حالة استعصاء متفاقمة، وذلك إثر الاحتكام إلى العصبيات ومنطق السلاح، بديلاً عن الحوار والترضيات.
إذ لدينا الآن جملة من الأمثلة الدالة على انسداد الدروب وانعدام الحلول، ليس فقط في نطاق القضايا الكبرى، والمشكلات المتوارثة من جيل إلى جيل؛ كقضية فلسطين، والنزاعات الحدودية، والخلافات البينية، والأقليات، وإنما ايضاً في نطاق الصراعات الداخلية التي دخل السلاح فيها على الخط، وبات وحده سيد الموقف، ومعقد الرهان بين المتصارعين على الرواية التاريخية وحكم البلاد والعباد بغير تفويض.
خذ بحنانيك على سبيل المثال الأزمة السورية الراهنة، لترى بأم عينيك كيف انغلقت هذه الأزمة على نفسها، وتفاقمت حدتها، وفشلت كل الحلول العربية والدولية في إيجاد مخرج لها، ليس بفعل المؤامرة الكونية المزعومة منذ اليوم التالي لاندلاعها، وإنما بفعل الرهان على منطق القوة المسلحة كحل نهائي لا بديل عنه، والتوهم بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
وإذا كان هناك شك ضئيل في صحة هذا الافتراض الذي لا يعوزه دليل إثبات، فوجه عينيك يا رعاك الله نحو الأزمة العراقية التي تواصل منذ عقدين وأكثر إملاء نفسها على جميع الأطراف، وتمضي في تخليق أزمة جديدة أعمق، كلما تمكن منطق القوة من إخماد سابقة لها، إلى الحد الذي حصلنا فيه الآن على "داعش" بديلا من "القاعدة".
وانتخب ما تشاء من باقة القتاد غير القابل للخرط، ولتكن الأزمة الليبية التي خرجت عن قدرة المتورطين فيها على إيجاد حل لها في المدى المنظور، لتشهد كل تجليات الجنون في التعويل على منطق القوة، أو قل الانتحار الذاتي، لحسم أزمة داخلية، نشبت على خلفية الاتهامات والعصبيات والترهات، ثم استحكمت بين المتنافسين على السلطة والثروة، ناهيك عن الأحقية في أبوّة الثورة المغدورة.
وإن لم يشبع فضولك الغريزي في التعرف على عجائب الحال العربي الراهن، غض البصر قليلا عن لبنان، وامض جنوباً نحو اليمن الذي لا أعرف لماذا كان يسمى سعيداً، لتقف بنفسك على العجب العجاب، وترى مدهوشاً كيف تمضي أقلية في التهام البلاد والدولة والنظام، وسط حالة غير مفهومة من الاذعان والتسليم والاستخذاء، عز نظيرها في الزمان البعيد، فما بالك في زمن الجيوش النظامية والطائرات؟
في غمرة هذا المشهد البانورامي الكسيف، يلوح في الأفق ضوء قوي يدعو إلى قدر كبير من الثقة والاطمئنان، ألا وهو جيش مصر القوي، وهو العدة الأخيرة لعرب هذا الزمان، إذ يعتبر مدى نجاحه في قهر الإرهاب، ناهيك عن مهنيته ومنعته الذاتية في وجه الانشقاقات، المعيار الوحيد على ما تبقى من عافية ضئيلة للنظام العربي المنزلق في حرب ملتبسة ضد الإرهاب.
ومع أن هناك بقع ضوء متفرقة على امتداد الخريطة العربية، المسكونة بشتى الأزمات الموضعية، والمشكلات المسيطر عليها بعد، إلا أن الرهان على نجاح مصر في اجتياز معضلاتها الذاتية، بما في ذلك لجم موجة الإرهاب، يظل هو الملاذ الأخير، والنموذج الأمثل لحل المشكلات، بمزيج متعادل من قوة القانون وقانون القوة، على ما نأمل ذلك في مقبل الأيام.