مشكلة إسرائيل مع "نشيدها الوطني"

 

عاد في الأيام الأخيرة النقاش في إسرائيل حول "النشيد الوطني" الإسرائيلي، في أعقاب أنباء jحدثت عن أن وزير التعليم غدعون ساعر، ينوي فرضه على جميع المدارس في إسرائيل، بما في ذلك الطلاب العرب. وقد يستغرب بعضنا حين نقول إن ما نُقل عن وزير التعليم لم يكن دقيقا، وإن الضجة التي أثيرت حول الموضوع كانت زائدة، إذ إن الظروف الداخلية الإسرائيلية تجعل أي وزير عاجزا عن إصدار قرار من هذا النوع.

اضافة اعلان

وكانت الحكاية بدأت حينما سأل صحافي، في إحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية، الوزير حول ما إذا سيفكر في إصدار قرار يلزم جميع المدارس في إسرائيل بإنشاد "النشيد الوطني" قبل بدء اليوم الدراسي، كما هو الحال في الولايات المتحدة، حسب ذلك الصحافي، فرد الوزير قائلا، "إنها فكرة جميلة سأفكر بها".

وغدعون ساعر معروف بمواقفه اليمينية المتشددة، ولكنه يعرف أن عدم قدرته على إصدار قرار كهذا ليس بسبب العرب، الذين أصلا لن ينفذوه، بل إن مشكلته الأساسية هي مع اليهود المتدينين الأصوليين، "الحريديم"، الذين يرفضون الصهيونية من منطلقات دينية، وبالتالي يرفضون رموزها كافة، حتى وإن شاركوا في سلطة الدولة، التي يعتبرونها كيانا مؤقتا إلى حين يأتي المسيح لأول مرة إلى العالم ليقيم "مملكة إسرائيل".

ونشيد إسرائيل هو عمليا نشيد الحركة الصهيونية منذ قبل العام 1948، وتم تحويله ليصبح نشيد إسرائيل، وحتى أن لحنه بولندي مستورد، وليس خاصا بالنشيد، وكلماته تتحدث عن "النفس اليهودية الهائمة" في العالم، التي تجمعت في "أرض إسرائيل لتقيم دولة اليهود"، وهي تعابير تتعارض مع ما ترويه التوراة من "نبوءات"، حسب أولئك الحريديم.

ويعرف ساعر أن أكثر من 45% من طلبة المدارس في إسرائيل لن يوافقوا على تنفيذ قرار كهذا، إذ أشار مسح لأحد المعاهد، ونشر هذا الأسبوع، أن نسبة الطلاب الحريديم في المدارس الإسرائيلية يقارب 21%، في حين أن نسبة طلاب فلسطينيي 48 تجاوزت 24%، وحتى أن المسح إياه تحدث عن 28% من العرب، إلا أن هذه النسبة تشمل طلاب القدس المحتلة وطلاب هضبة الجولان السورية المحتلة.

ويعلم ساعر وغيره في المؤسسة، أن نسبة 45% ترفض الصهيونية، كل من جهتها، عرب وحريديم، هي نسبة مؤقتة، وستجتاز بسرعة نسبة 50%، خاصة وأن المسح إياه أشار إلى أن نسبة الطلاب الحريديم ارتفعت خلال تسع سنوات بنسبة 51%، وهي نسبة هائلة لا تجدها حتى في أكثر الدول فقرا، وهذه زيادة نابعة بالأساس من التكاثر الطبيعي والإنجاب، إذ إن معدل عدد الولادات للمرأة الواحدة من الحريديم تتراوح ما بين 7 إلى 8 ولادات، مقابل حوالي ولادتين للأم اليهودية العلمانية.

وهذه "العقبة" التي تقف أمام ساعر والمؤسسة الإسرائيلية لا تتوقف عند "النشيد"، فحتى العلم الإسرائيلي لا يحظى باحترام خاص بين الحريديم، كذلك فإن الحريديم رفضوا دعوات من القوى اليمينية المتطرفة لاعتبار إسرائيل "دولة يهودية صهيونية ديمقراطية"، حسب النص الذي طرح ضمن اقتراح قانون لأحد نواب اليمين، وكانت "كبسة زر" الرفض من نواب الحريديم لدى التصويت عليه، أسرع من غيرهم.

الوزير ساعر، سارع للإعلان أمام وسائل الإعلام أنه لم يفكر إطلاقا بأن يفرض النشيد على الطلاب العرب، وكان تصريحه للاستهلاك الإعلامي، في محاولة لكسب "بياض وجه"، لوجه شديد القباحة حين نتحدث عن الميزانيات المجحفة جدا المخصصة لجهاز التعليم العربي، أو حين نتحدث عن محاولات الوزير ذاته لصهينة المنهاج التعليمي.

من باب النقد الذاتي، وللأسف، فأحيانا يتم عندنا القفز على أمور غير دقيقة، ويتم تضخيمها دون فحص أساسها، إن الحديث عن عنصرية إسرائيل لا يحتاج مبالغة، وفقط ذكر بعض الحقائق وليس كلها، يعكس الصورة القاتمة، ولكن ساسة إسرائيل تعلموا الدرس، فهم ينتهزون كل مبالغة ليقفزوا عليها وينفوها بصوت عال، في محاولة لتجميل وجههم القبيح، وهذا درس من دروس علينا استيعابها مستقبلا.

[email protected]