مشكلة التخصصات الجامعية

حسني عايش يبدو أن التطور التقني في الصناعة والزراعة والأعمال جميعاً، المتمثل باقتحام الكمبيوتر والانترنت ومشتقاتهما لها، يؤدي إلى انهيار شبه تام للتعليم العام والجامعي كما نعرفهما إلى اليوم، وبالتالي للتخصصات المدرسية والجامعية التقليدية الناجمة عن عصر الثورة الصناعية. كان المطلوب من التعليم في تلك الفترة واضحاً، فالمدرسة تشبه خط الانتاج، والجامعة تشبه المصنع في انتاج السلع (البشرية) اللازمة للصناعة/الاقتصاد والمجتمع. وكان الطلب على الخريجين يزداد بالتوسع الصناعي أو النمو الاقتصادي. وفي أثنائه أخذت الاسرة تتحول من منتجة لكل ما تحتاج إليه إلى مستهلكة لكل ما تحتاج إليه، بعد التحاق المرأة بالمدرسة والجامعة والدخول في سوق العمل لتتمكن من تغطوية نفقات الأسرة المتزايدة. ونتيجة لتعلم المرأة ودخولها سوق العمل أخذت نسبة الزيادة السكانية في الانخفاض في أكثر البلدان تقدماً مائلة نحو الصفر كما في اليابان والمانيا. أما في بلادنا وفي المنطقة – إجمالاً – فإن نسبة الزيادة السكانية ما تزال مرتفعة، لأن نسبة دخول المرأة في سوق العمل ما تزال منخفضة. والنمو الاقتصادي ما يزال عاجزاً عن استيعاب جميع طالبي العمل، لأنه يتم بمتوالية حسابية ( 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، وهكذا)، بينما ينمو السكان بمتوالية هندسية ( 1، 2، 6، 4، 8، وهكذا) ونتيجة لذلك تنشأ هوة واسعة بين النمو الاقتصادي والنمو السكاني لا يملؤها سوى التقدم الاقتصادي، والاعتدال السكاني. وهي مسألة تأخذ وقتاً، نراه يجري ببطء أمام العيون في الاردن. ومما زاد الطين بلة انطلاق الثورة الرقمية في الصناعة والزراعة والانتاج وفي جميع الاعمال. وبهذه الانطلاقة صار يقل الطلب على العمالة، لأنه صار بالإمكان تشغيل الآلة، وإطلاق العمل بلمسة إصبع على زر. كما صار الانسان الآلي يحل محل الانسان البشري، وبدوره يؤدي إلى طلب نوع جديد من الأيدي العاملة، ولكن لا أحد حتى الآن يعرف بالضبط ماهية هذا النوع أو التخصصات اللازمة لذلك. لعلّ كل ما نقوم به الآن في هذا الموضوع تعبير عن انطباع أو عن احساس ذكي، أو عن تقليد أعمى. وإلى أن نعرف ما هو المطلوب بالضبط تظل تخصصات المدرسة والجامعة الناجمة عن العصر الصناعي قائمة بقوة الاستمرار وطلب الأهالي عليها الشديد لأنهم ما يزالون يعتقدون أن فرص عمل خريجها كما في الطب والصيدلة، والهندسة، … متوافرة مع أنها ليست كذلك كما ذكرت، أي لأسباب تتعلق بطبيعة الأعمال الجديدة، والمعروض الزائد من خريجي العصر الصناعي نتيجة الزيادة السكانية. ولهذا وذاك تعاني الجامعات وتعاني الدولة من أزمة مزدوجة في التعليم أي من العجز عن إفراز تخصصات جديدة ملائمة لمتطلبات العصر الرقمي، ومن الضغط الشديد عليها لإيجاد فرص لفائض الخريجين الذين يتدفقون من مؤسسات التعليم. وتزداد المشكلة حدة بتطور تقنية هذا العصر الرقمية، من مثل انتشار الإنسان الآلي ليس في الصناعة فقط بل في الحروب أيضاً. فقد صارت الحرب الكترونية/ سيبرانية، والطائرة تطير وتقصف العدو بدون طيار. بل وصار العمل يتم عن بعد، فما الحل إذاً؟ يبدو أن هناك جامعاً مشتركاً أعظم مطلوباً لجميع التخصصات والاعمال وهو إتقان جميع الطلبة المهارات الرقمية اللازمة للعمل أياً كان تخصصهم، أو جعلهم قابلين لإتقانها السريع في مواقع العمل، وتعلّم الجميع مبادئ البرمجة، لأن جميع الأعمال تتم بوساطة برامج أو يلزمها برامج لتتم، والبرنامج الذي ينجح بحل المشكلة يدر دخلاً عالياً حتى في ألعاب الكمبيوتر. أما المطلوب الثاني المهم أو اللازم للخريجين جميعاً ليكونوا قادرين على السباحة في تيار العولمة، فهو إتقان الواحد منهم للغة أجنبية عالمية واحدة على الأقل، كالإنجليزية أو الفرنسية أو الالمانية أو الايطالية أو اليابانية أو الصينية… مما يوجب الغاء بند اللغة الانجليزية من شهادة الثانوية العامة ووضع بند اللغة الأجنبية مكانه أياً كان مصدر تعلّمها. أما المهمة الكبيرة الأخرى للتعليم في هذا العصر فهو تعليم التفكير التنويري أو الناقد، والمنهج العلمي والبحث العلمي من أجل فتح الباب للاكتشاف والإبداع والابتكار (Innovate or evaporate) (ابتكر أو اندثر)، فعليها أو بها يحدث التقدم ويطرد. وأخيراً: لعلّ تجربة الهند الجامعية تصلح لأن تُحتذى في الأردن، فهناك تلحق كل جامعة خاصة بجامعة رسمية، فتصبح تابعة لها وكأنها جزء منها، فتراقب التدريس والبحث والامتحانات فيها وتصدر الشهادات/ الدرجات الجامعية عنها. المقال السابق للكاتب  اضافة اعلان