مشكلة وقت ليس إلا

يرى المفكر التربوي الأميركي فرانك سميث، أن في وصف كثير من التلاميذ بالفاشلين خطأ كبيرا، لأنهم ليسوا كذلك بالفعل، وإنما هم لا يُعطون الوقت الكافي للتعلم حسب سرعتهم فيه. ويضيف: "إنني مثل كثير من الناس أعرف طفلاً يعاني من هذا الوصف لا لعيب عقلي عنده، وإنما لأن المدرسة تخضعه لكل أنواع الفحوص والتشخيص والاستنتاجات المستمدة منها وتضعها في ملفه. كما تضيف إليه وصمة قد تدمر مستقبله ورؤيته لنفسه، وهو ادعاؤها أنه لا يستطيع الاستمرار في المدرسة، أو أنه بطيء التعلم، أو يعاني من صعوبات في التعلم، أو أنه يتمارض، أو قليل الدافعية، أو مشتت الانتباه وهكذا" (حسني عايش: امتحان عام أم استغفال للرأي العام؟، 2003). لكن الغريب -كما يضيف- "عدم وجود إشارة واحدة للمدرسة نفسها في ملفه؛ أي إلى واجب المدرسة في مساعدته على تجاوز ما وصفته أو وصمته به، وكأن المشكلة مشكلته فقط لا مشكلتها أيضاً".اضافة اعلان
ويعلق سميث على هذه الحالة فيقول: "إنني لا أرى في حالة هذا الطفل سوى مشكلة واحدة: إنه بحاجة إلى المزيد من الوقت ليلحق بسربه. فلو أعطي مزيداً من الوقت، لكان بإمكانه إنجاز كل شيء ينجزه زملاؤه. إنه ليس مقصراً كما تدعي المدرسة، فكل البشر يتحركون بسرعات مختلفة في الأعمال المختلفة، ولكن المدرسة -للأسف- تتوقع أو تطلب من جميع الأطفال والأعمار والقدرات بلوغ أهداف وأوضاع اعتباطية متماثلة في الوقت نفسه. كما تضعهم في إطار علاقات تنافسية تقسمهم جميعاً -في النهاية- إلى فائزين وخاسرين، الوضع القابل للتنبؤ سلفاً به، وهو أمر غير تربوي وغير مفيد".
يقسّم أستاذ علم النفس التربوي في جامعة إريزونا، ديفيد سي. بيرلنر، الوقت المدرسي إلى ما يلي:
أولاً: وقت الانتظار (Wait-time). وهو الوقت الذي يمر بين طرح المعلم سؤالاً تفكيرياً ما، وطلبه من الأطفال/ التلاميذ الإجابة عنه. وقد بينت ست عشرة دراسة أن انتظار المعلم التلاميذ ثلاث ثوان بعد السؤال بدلاً من ثمانية أعشار ثانية، يأتي بالكثير المثير أو المذهل مثل: زيادة استجابات الأطفال؛ زيادة الاستجابات الصحيحة؛ قلة الاستجابات الخطأ أو الفاشلة؛ ارتفاع في مستوى الإجابات؛ زيادة في التفسيرات البديلة؛ زيادة في التفاعل لدى الطفل/ التلاميذ؛ زيادة في تحصيل الأطفال/ التلاميذ في العلوم والرياضيات والقراءة.
ثانيا: الوقت المقرر أو المحدد (Allocated-Time) في السنة المدرسية. فعندما يقول الآباء والأمهات أن أطفالهم لا يحسنون القراءة والكتابة والحساب، فإنهم كمن يتساءل عن الوقت المعطى لهم أو الكافي للتعلم. فإذا لم تفعل، فلن يتاح للأطفال/ التلاميذ تعلم المهارات الخاصة بها.
ثالثاً: الوقت الفعلي (Engaged-time). وهو الوقت الذي ينغمس فيه الطفل في تعلم ما. وإذا درسنا موضوع الوقت في المدرسة، نجد أن السنة المدرسية ليست تسعة أشهر بالفعل دائماً، وإنما مائة وثمانون يوماً أو أقل أو أكثر قليلاً. فإذا طرحنا منها أيام العطل والثلج (والطوز)، وغياب الأطفال والمعلمين بسبب المرض أو لعذر ما، نجد أنها قد لا تزيد على مائة وأربعين يوماً. فإذا كان الوقت المخصص لتعليم الحساب سبعين ساعة في السنة، فإنه قد يصبح نصف هذا الوقت بالفعل.
إن الوقت هو المورد الوحيد الأكثر أهمية الذي تسيطر عليه المدرسة. وإذا كان الأمر كذلك، فيجب أن نفكر فيه كثيراً عندما نتحدث عن المناهج والكتب المدرسية والتعلم والتعليم في أثنائه، ونقيس ما تقوم به المدرسة أو الحكم عليها. لكن ذلك لا يعني الالتزام بالوقت بصورة عمياء، بل الوعي التام بقيمة هذا المورد النادر والغالي الثمن، واستغلاله بصورة مثلى. يجب على المعلمين والمعلمات الجيدين والفعالين أن يدركوا أن بعض الدروس أو وحدات الكتب لن يتم تعلمها جيداً إذا لم يكن الوقت كافياً لذلك.
وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك، فيجب أن نسأل: ما مقدار الوقت اللازم لتعليم هذا الدرس أو الوحدة؟ لا يستطيع المعلم وحده الإجابة عن هذا السؤال. يجب عليه أن يستعين بالزملاء والموجهين، جنباً إلى جنب معرفة حميمية بخصائص التلاميذ أو الصف الذي يعلم.
نعم، إنه قرار صعب؛ لأنه يعتمد على فلسفة أو نظرية/ معتقدات المعلم التربوية: هل هي فلسفة تحترم التساؤل والاستقصاء، أم فلسفة تقدر الحفظ والبصم؟ ما نظريته في تعليم اللغة؛ هل تبدأ بالحرف أم بالكلمة أم بالجملة؟ هل يفضل  النصوص الدينية أم النثر أم الشعر أم العكس؟... وهكذا.