مصابون معزولون: حجرنا في البيت أمان ومساندة نفسية

منى أبو حمور

عمان- تشارك سارة (اسم مستعار) "الغد"، تفاصيل عزلها المنزلي بعد إصابتها بفيروس كورونا، قائلة إنه وبالرغم من صدمتها الكبيرة بنتيجة فحصها، إلا أن معرفتها بأنها ستبقى في المنزل يبعث في قلبها الراحة والطمأنينة.اضافة اعلان
وتشرح سارة، عن بداية اكتشافها مرضها والأعراض التي أصابتها. تقول "أصبحت أعاني صعوبة في ابتلاع الطعام ولم أعد أشعر بمذاق الطعام ونكهته حتى الروائح باتت معدومة لدي"، إلا أنها ورغم ذلك لم تكن تعتقد ان كورونا هي السبب إلى أن بدأت تشعر بضيق النفس وارتفاع بدرجة الحرارة، حينها كان لابد من إجراء فحص كورونا الذي جاءت نتيجته إيجابية.
انتابها الخوف والقلق، مصير أطفالها والدراسة ومشاكل أصبحت تدور في رأسها، إلا أن بقاءها في منزلها ساعدها أن تستمر في حياتها كالمعتاد، باستثناء اللحظات التي تشعر فيها بالتعب وترتفع حرارتها قليلا حينها تأخذ "باندول" لتخفيف الأوجاع ، وتشرب السوائل، وتستنشق هواء نظيفا عبر النافذة وفق نصائح الطبيب.
في المنزل تمكنت سارة من متابعة دراسة بناتها والاهتمام بالبيت، وكذلك بقيت على تواصل عبر الهاتف مع أهلها واخواتها الذين كان لهم دور كبير في رفع معنوياتها وتخفيف الإصابة عليها.
قرار الحكومة بتطبيق العزل المنزلي لمصابي كورونا ممن لا تظهر عليهم الأعراص أو إصابتهم متوسطة، ساعد في رفع معنويات المصابين، وتقبلهم لفكرة إصابتهم، خصوصا وأن الكثيرين كانوا يرون الحجر في المستشفيات الحكومية أو كرفانات البحر الميت أكثر وجعا من الإصابة نفسها.
القلق الكبير الذي يعيشه مصاب كورونا بعد عزله عن عائلته بسبب إصابته وانقطاعه عن العالم الخارجي ساهم بشكل كبير ببطء علاج كورونا، باعتبار الخوف والقلق يلعبان دورا مهما في خفض مناعة الجسم وتأخر العلاج.
خبراء ومتخصصون أكدوا لـ"الغد" أهمية هذا القرار ودوره الكبير في تماثل المصابين للتعافي والعلاج ورفع معنوياتهم وعدم التأثير على علاقاتهم الاجتماعية، لافتين إلى أن الحجر المنزلي للحالات الخفيفة والمتوسطة جزء من العلاج.
وهو ما أكدته الأربعينية ليلى (اسم مستعار)، من خلال تجربتها في العزل المنزلي، رغم إصابتها بفيروس كورونا، إلا أنها تمكنت من أن تتجاوز الحاجز النفسي والخوف والقلق اللذين أصاباها فور معرفتها نتيجة فحصها الإيجابي.
وتقول ليلى، إن تلقيها العلاج في المنزل خفف عنها وطأة خبر إصابتها، ففي النهاية ما تزال في بيتها وفي غرفتها وبين أسرتها ولم تضطر لأن تنقطع عن حياتها تماما بغرف الحجر المؤسسية.
حالة ليلى المتوسطة والأقرب إلى الخفيفة مكنتها من ممارسة حياتها الطبيعية خلال فترة العزل المنزلي، حيث استمرت بعملها عن بعد من خلال تأدية مهامها اليومية، كما أن وجودها في المنزل سمح لها بمتابعة دروس وواجبات بناتها عن بعد.
الأمر سيان مع أحمد الذي يؤكد أن مصاب كورونا اليوم لم يعد عرضة للتنمر او أن يكون مصدر خوف وقلق لمن حوله، وبالنهاية المصاب يتعالج في بيته وينعزل عمن حوله دون أن تعرف المنطقة بأكملها بإصابته كما هو الحال سابقا.
ويقول أحمد "عندما أصيب أحد سكان الحي في بداية الجائحة وبدأت البلبلة في المنطقة بأكملها وسيارات التعقيم والإسعاف حينها رجوت الله ألا أكون في مكانه"، لافتا إلى أن المنطقة بأكملها انشغلت بإصابته فضلا عن طريقة خروجه من المنزل بسيارة التقصي الوبائي.
ويضيف، "في المنزل أمارس حياتي الطبيعية، وفي بعض الأحيان أشعر بتعب وإرهاق ولكن مجرد أن أعود للعمل أو أفتح كمبيوتري أشعر بتحسن"، متابعا في النهاية كورونا إنفلونزا والتعامل معها بهذا الشكل يسرع من العلاج.
أخصائي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، بدوره يجد أن قرار الحكومة بتطبيق الحجر المنزلي، له دور إيجابي من الناحية النفسية والاجتماعية للمصابين وهي خطوة اتخذتها معظم دول أوروبا والخليج العربي منذ بدء الجائحة.
ويشير جريبيع الى أن أسباب بث الرعب والخوف هي طريقة الحجر، التي كانت تستخدم وكان لها مردود على المستوى النفسي والخزف والرعب ومن جهة، وتشكيل وصمة اجتماعية.
ويعتبر جريبيع أن اتخاذ هذه الخطوة جاء متأخرا، ما أدى إلى إرهاق القطاع الطبي والصحي والاجتماعي وخلق حالة من التباعد الاجتماعي الحقيقي بين الأفراد وولد جانب من الرهاب الاجتماعي والخوف من الأشخاص الذين تعرضوا للإصابة حتى بعد شفائهم.
ولعل أهم فوائد الحجر المنزلي بحسب جريبيع، شعور المصاب بالأمان لبقائه في المنزل والشعور بالإطمئنان بأن وضعه الصحي لايحتاج الخوف والرعب كما هو الحال بالحجر المؤسسي.
ويؤكد جريبيع أن شعور المصاب بالعزلة الاجتماعية وأنه مريض ومختلف عن غيره؛ وانه يشكل تهديدا على غيره من العائلة؛ كلها أمور كان لها دور كبير في بث الرعب والخوف في نفوس المرضى وبالتالي تأخير فرص العلاج.
وفي المضمار النفسي يبين أخصائي علم النفس الدكتور موسى مطارنة أن ما صاحب قضايا الحجر من صور غير طيبة واحساس بأنها عقوبة وسجن لا تتوفر فيها متطلبات الحياة العادية، اصبح يولد خوفا ورعبا وأثرا نفسيا سيئا على الشخص حتى قبل إصابته.
ويشير إلى أن العزله والخوف وحالة من الاكتئاب النفسي والبعد عن الاسرة مدة طويلة، وعدم توفر الحياة الطبيعية والتفاعل الاجتماعي، كلها تشكل حالة من الرعب.
ويقول مطارنة إنه مع قرار الحجر المنزلي لأن المصاب يعيش حالة من التفاعل الاجتماعي واحساسا بالشعور والطمأنينة وينعكس ايجابيا على حالة الناس.
ويردف مطارنة أن القلق والتوتر يسببان نقصا في المناعة وكان لهذا القرار ايجابيات على الحالة النفسية خاصة ان كورونا "غير مخيف للدرجة التي يُحكى عنها"، وان معظم الناس لا تظهر عليهم الأعراض، وبالتالي الانعكاس النفسي على مستوى الفرد ايجابي يواجهه بقوة أكبر، ويخفف من حدة المرض مع توفر المساندة النفسية والاستقرار والتكافل والقدرة على مواجهة المرض بقوة وفاعلية اكبر.
وكان وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور أمجد العضايلة قد أعلن في تصريح صحفي سابق "المضيّ قُدُماً" بتطبيق خطّة العزل المنزلي للمصابين بالفيروس، "في حال تزايدت وتيرة الإصابات، وفقاً لمعايير واضحة سيتمّ الإعلان عنها قريباً من خلال خليّة الأزمة" في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات.
"العزل المنزلي للمصابين لن يكون لجميع الفئات، بل سيتم اعتماد العزل المؤسسي لعدد من الفئات مثل: كبار السن، والأشخاص الذين لديهم سِير مرضية، أو الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية صحية، وكذلك الأشخاص الذين لا تتوافر في منازلهم وسائل عزل منزلي تراعي الشروط الصحيّة"، وفق العضايلة.
وأشار إلى أنه سيتم "تخصيص محطّات ثابتة للتقصّي الوبائي في المحافظات، يمكن للمواطنين مراجعتها لإجراء فحوص PCR في حال كانت لديهم أعراض، أو كانوا مخالطين، أو تمّ الاشتباه بإصابتهم". وهو "يضاف إلى دور فرق التقصّي المتحرّكة، التي تقوم بتتبّع المخالطين، وإجراء الفحوص كما هو معتاد".
الى ذلك، تخصيص مركز اتّصال لإبلاغ الأشخاص الذين يتمّ فحصهم بنتيجة الفحص، سواءً أكانت إيجابيّة أم سلبيّة، كما تخصيص فرق طبيّة لمتابعة حالات الأشخاص المصابين الذين يتقرّر عزلهم منزليّاً، والاطمئنان على صحّتهم، وتزويدهم بالرعاية الصحيّة اللازمة في حال احتاجوا إليها"، بحسب العضايلة.