مصر.. الفوضى أهون من الدكتاتورية

لا تبدو الأوضاع في مصر مرشحة للاستقرار في وقت قريب. لا بل إن بعضا من المصريين الذين التقيناهم وعددا من الزملاء في القاهرة قبل أيام، يفضلون الفوضى على الاستقرار مرة أخرى في حضن الدكتاتورية.اضافة اعلان
فجّر الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المصري محمد مرسي مؤخرا، عاصفة من الغضب والاحتجاج، لم تهدأ حتى الساعة، رغم التنازل المحدود من طرف مرسي بعد اجتماعه بأعضاء مجلس القضاء الأعلى، وإعلان المتحدث باسمه أن القرارت المحصنة للرئيس ستقتصر على الأمور السيادية فقط، مع إعادة التأكيد على الطبيعة المؤقتة للإعلان الدستوري.
بالنسبة للتيار العريض من الديمقراطيين والحركات الشبابية التي لعبت دورا مركزيا في ثورة 25 يناير، لم يكن الإعلان الدستوري سوى النقطة التي فاضت بها الكأس، بعدها لم يعد بالإمكان العودة إلى الخلف قبل تصحيح مسار الثورة.
عقدت إحدى الصحف المصرية المستقلة مقارنة بين سلطات الرئيس المخلوع حسني مبارك والمجلس العسكري الذي حكم مصر بعد الثورة، وبين صلاحيات الرئيس مرسي بعد الإعلان الدستوري الأخير، لتخلص إلى أن سلطات مرسي جاوزت الاثنين السابقين مجتمعين.
فبموجب الإعلان، يملك الرئيس السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. وعليه، يستطيع أن يعلن حالة الطوارئ والأحكام العرفية بدون استفتاء الشعب. والأهم من ذلك الاعتراض على مشروع الدستور الجديد، واعتقال أي معارض، أو إغلاق أي محطة فضائية أو صحيفة بدون محاكمة. ويمنح الإعلان الدستوري للرئيس صلاحية عزل قضاة المجلس الأعلى للقضاء، وقضاة المحكمة الدستورية العليا أو إلغاء المحكمة نفسها. كما أن له الحق في اختيار أعضاء الهيئة التأسيسية للدستور وحلها، وإحالة المدنيين إلى القضاء العسكري.. وغيرها من الصلاحيات التي لا تنتهي عند حد.
لم يتحمل أقرب المقربين هذه القرارات من الرئيس؛ عدد من أعضاء الهيئة الاستشارية في الرئاسة قدموا استقالاتهم، من أبرزهم المرشح الإسلامي المستقل في الانتخابات الرئاسية محمد سليم العوا. وسجل آخرون، مثل الشاعر المستشار فاروق جويده، والدكتور سيف الدين عبدالفتاح، تحفظات واعتراضات علنية على الإعلان الدستوري. حزب "مصر القوية" الذي يتزعمه القيادي السابق في حركة الإخوان المسلمين، وأبرز المنافسين في الانتخابات الرئاسية السابقة د. عبدالمنعم أبو الفتوح، نظم مسيرة إلى ميدان التحرير لرفض تحصين قرارات الرئيس، لكنه أيد قرار عزل النائب العام، وإعادة محاكمة كل المتهمين بقتل مصريين أو سرقة الأموال العامة. ووقفت جماعات سلفية ضد الإعلان الدستوري، من بينها "الدعوة السلفية"، والجبهة السلفية، وحزب الشعب (تحت التأسيس).
تكمن خطورة الإعلان الدستوري في نظر معارضيه، بالصلاحيات المطلقة التي يمنحها لرئيس يمثل تيارا بعينه، يسعى إلى تحديد هوية الدولة وفق رؤيته، وبدون اعتبار لمبدأ التوافق الوطني الذي تعهد به بعد الفوز في الانتخابات. وتنامى قلق التيارات السياسية قبل ذلك من إصرار تحالف الإخوان والسلفيين في الهيئة التأسيسية للدستور، على فرض تصوراتهم، معتمدين على تفوقهم العددي، ما أدى في النهاية إلى استقالة ممثلي معظم التيارات الديمقراطية من الهيئة.
في ميدان التحرير، وجد خصوم الأمس أنفسهم في خندق واحد ضد "دكتاتورية إخوانية تطل برأسها"؛ محمد البرادعي الذي كان أول من تحدى سلطة مبارك في الشارع، وحمدين صباحي الذي نال خمسة ملايين صوت في الانتخابات، وعمرو موسى، وشباب 6 إبريل، والعشرات من الحركات والأحزاب السياسية؛ تجمعهم اليوم شعارات واحدة: "يسقط يسقط حكم المرشد"، "يسقط يسقط مرسي مبارك".