مصفاة البترول والفرص الضائعة

أعتقد جازما أن التأخر في تنفيذ مصفاة بترول تنتج نفطا بمواصفات عالمية يعتبر فرصة اقتصادية مهدورة ومؤجلة حتى إشعار آخر دون وجود أسباب مقنعة باستثناء ضبابية الرؤيا فيما يتعلق بالسياسة القطاعية والخوف من تكرار تجربة الماضي المرتبطة بالفترة الطويلة التي تمتعت فيها المصفاة الحالية بامتياز وحصرية امتدت على مدى عقود من الزمان، ولم يتم خلال تلك السنوات تطوير البدائل الملائمة، وما يزال سؤال هل نريد مصفاة جديدة أو أننا على المستوى الاستراتيجي لا نحتاج إلى هذا النوع من الاستثمار الحائر. اضافة اعلان
في هذا السياق فإن اللغط الذي أثير في الأسابيع الماضية والمرتبط بنوعية المشتقات النفطية ومدى مطابقتها للمواصفات يعيد التركيز على سؤال لماذا لا يتم حسم هذا الموضوع. إن السياسة المعلنة هي أننا لا نريد منح امتياز أو حصرية لمستثمر في القطاع، وهذا ينسجم بشكل عام مع التوجهات الاقتصادية العامة، إلا أن استثمارا تتراوح قيمته ما بين (مليار ونصف الى ملياري دولار) يستحق اهتماما من نوع آخر، فمعظم المهتمين بالاستثمار يظهرون اهتماما كبيرا بالمشروع ولكنهم يتساءلون حول مستقبل القطاع وكيف يمكن توفير ضمانات معينة حول المشروع وما الذي يضمن للمستثمرين تركيبة مقنعة على المدى البعيد فيما يخص العائد على الاستثمار.
إن تجربتنا على مدى الأعوام العشرة الماضية، أي منذ انتهاء حصرية المصفاة أظهرت أن اجتذاب مستثمر كشريك للمصفاة او مستثمر جديد لتنفيذ هذا المشروع غير مجدية ضمن المعطيات الحالية، وهو ما يتطلب تفكيرا مختلفا إذا كنا نرغب برؤية هذا المشروع على أرض الواقع.
لكن لماذا يعتبر مشروع المصفاة مجديا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والمالية ؟ وفقا لأكثر من دراسة اطلعت عليها فإن معدل العائد على الاستثمار في مشروع المصفاة لا يقل عن عشرة في المائة، ويتغير هذا العائد ارتفاعا وفقا لبعض المتغيرات المرتبطة بمشاريع أخرى مثل أنبوب العراق - الأردن، او أنبوب العقبة -المصفاة، ويصل معدل العائد أحيانا العشرين في المائة. ومن الناحية الاقتصادية فإن عدد العاملين في مشروع المصفاة لا يقل عن 4 آلاف عامل غير الأنشطة الفرعية المرتبطة بهم، هذا عدا عن الابعاد الاستراتيجية للمشروع.
وبغض النظر عن مدى دقة هذه الدراسات التي تحتاج الى مزيد من التمحيص من قبل الراغبين في الاستثمار، إلا انه وفي ظل الظروف التي نمر بها والعزوف عن الاستثمار من قبل المستثمرين، فإن هناك فرصة يمكن أن تساهم برفد النمو الاقتصادي خلال العامين المقبلين إذا ما أحسنت إدارة هذا المشروع الاستثماري.
في بعض الأحيان والظروف الاستثنائية هناك حاجة لمقاربات مختلفة أيضا، وفي الأردن هناك صناديق استثمارية عديدة يأتي في مقدمتها صندوق استثمار الضمان الاجتماعي، الصندوق السعودي، الصناديق التقاعدية التابعة للنقابات، ويمكننا تخيل فتح باب المساهمة للعديد من صغار المستثمرين لحشد المدخرات والتوافق على اطلاق مشروع جديد أو بالتشارك مع المصفاة القائمة التي تراكمت فيها معرفة فنية لا يستهان بها على مدى عقود من العمل.
الاستثمار الأجنبي لن يتدفق دون أن نقوم ببعض المبادرات والخطوات التي تتوافق مع واقعنا المحلي، ولن تتحمل الحكومة نفقات إضافية بل المطلوب رسائل واضحة تجذب الاستثمار ومن شأنها تعزيز تنافسية الاقتصاد الأردني وهو أكثر ما نحتاجه في الظروف الحالية.