مطالبات بتحضين "طفل التكسي" للسائق

رسم تعبيري لسيدة مرضعة لطفل وترغب باحتضانه بريشة الزميل احسان حلمي
رسم تعبيري لسيدة مرضعة لطفل وترغب باحتضانه بريشة الزميل احسان حلمي

نادين النمري

عمان - أثارت قضية سائق التاكسي الذي يسعى لاحتضان رضيع، ترك في سيارته، ردود أفعال واسعة بين المواطنين، لتتحول إلى قضية رأي عام، خصوصا أن هذه الحالة، سبقها تحضين لقيط لأسرة عثرت عليه، الى جانب إرضاع زوجة السائق للطفل، وهو ما يجعل الأمر يأخذ بعدا شرعيا.اضافة اعلان
وسجلت قصة السائق والطفل نسبة متابعة عالية، على الموقع الإلكتروني لـ"الغد"، بعد أن نشرتها أول من أمس، وتناقلتها مواقع إلكترونية وإذاعات محلية عديدة.
وتتلخص القصة بترك سيدة منقبة، رضيعا في تاكسي، سائقه متزوج منذ 17 عاما، لكنه غير قادر على الإنجاب، وبعد أن أرسل السائق الطفل إلى مستشفى الزرقاء الحكومي، وبقي فيه لمدة شهر، حرص السائق وزوجته على زيارة الطفل خلال هذه المدة، وخلال ذلك در الحليب من الزوجة، وباتت ترضعه.
لكن طلبا للزوجين باحتضان الطفل رفض، رغم انطباق شروط الاحتضان عليهما، تحت شرط عدم وصول الطفل لدوره في التحضين، وأبلغا بإمكانية تحضين طفل آخر.
في هذا النطاق، قال وزير الأوقاف الاسبق الدكتورعبدالسلام العبادي لـ"الغد" إن "كون الطفل رضع من حليب الزوجة، يمنح هذه الأسرة، أولوية في رعايته، شريطة أن تكون الأسرة موثوقة، لتتحقق مصلحة الطفل الفضلى لديها".
وأضاف أن "الأصل منح هذه الأسرة الأولوية على غيرها في رعاية هذا الطفل، وتجاوز مسألة الأقدمية في طلبات الاحتضان، نظرا لاستثنائية وخصوصية الحالة، المتمثلة برضاعة الطفل من زوجة السائق".
بدورها، أكدت مصادر في وزارة التنمية الاجتماعية أن "هذه ليست الحالة الأولى التي يستثنى فيها تحضين طفل لأسرة من خارج قوائم الاحتضان".
وبين موظف سابق في الوزارة لـ"الغد" أنه "وخلال فترة تولي سليمان الطراونة منصب وزارة التنمية، جرت حالة مشابهة لسيدة غير قادرة على الإنجاب، عثرت على طفل حديث الولادة، أمام منزلها، وتقدمت لتحضين الطفل الذي وجدته".
ووفق المصدر ذاته، فإنه على "الرغم من أن تلك السيدة لم تكن ضمن قوائم الاحتضان، وكانت الأولوية لأسر أخرى، لكن الوزير ونظرا لخصوصية الحالة، وكون السيدة من وجدته وغير قادرة على الإنجاب، وافق على احتضانها له".
وأوضح "أذكر عندما قالت السيدة للوزير: هذا الطفل وهبني إياه الله بعد حرمان، فلماذا تحرمني الحكومة منه؟".
مستشار سابق في الوزارة، بين على موقع "الغد" أن "هناك مؤشرات قدرية في هذه القصة، فالسائق وزوجته محرومان من الإنجاب، والزوجة تدرّ الحليب وترضع طفلا وجدته، من دون أن تنجب، ما يعني أن العلاقات العاطفية عند البشر، لا يمكن تقيّيدها بأنظمة وقوانين".
وقال المستشار إن "الإنسان لا يقرر من تلقاء نفسه من سيحب ومن سيكره، إنما المشاعر اللاإرادية التي تتولد في داخله، هي من تلعب الدور بالحب والكراهية".
وأضاف "نقدر للوزارة مراعاة الدور في تنظيم إجراءات الاحتضان، ولكن الأمر هنا يختلف عما هو عليه توزيع المساكن على الأسر العفيفة، فالأصل أن يكون هذا الطفل من نصيب السائق وزوجته، تبعاً لخصوصية وقدرية علاقتهما بهذا الطفل".
بدورهم، طالب قراء الموقع الوزارة أن تأخذ بروح القانون وليس إطاره فقط، مدللين على الجوانب الشرعية التي تجعل الأسرة التي وجدت الطفل، أحق باحتضانه من غيرها.
من جهته، بدأ الدكتور خليل العكور من السعودية، تعليقه على الخبر، بذكر الآية الكريمة: "لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ".
وعقب قائلا إنه "إذا كانت حكمة الله تتجلى في هذه الآية الكريمة، وشاء الله لهذا الرجل وزوجته هذه النعمة، افنتحذ من القوانين الصماء حكما فاصلا؟".
وأضاف أن "المشرع عندما وضع القانون والأنظمة ترك طريقة تطبيقها للمخول بتنفيذ القانون، لأن ظروف الحياة متداخلة وليست خطوطا صماء، لذا يجب، بل يتحتم على القائمين على هذه الحالة مراعاة هذا الرجل وزوجته، فما حدث، هو نعمة أرادها الله له، ويجب عدم حرمانه منها، لأنها أصبحت حقا مكتسبا".
وحول أحقية الأسرة التي وجدت اللقيط في رعايته، فإن نص فتوى سابقة من الأزهر الشريف تقول "قرَّر الفقهاء أن أخذ اللقيط واجبٌ على مَن يجده، لأنه إحياء لنفسٍ صارت موجودة، ومِن هنا قال الفقهاء: مُضَيِّعُهُ آثِمٌ، وآخِذُهُ غانمٌ، واللقيط متى ثبت نسَبه ثبتت له جميعُ حقوق البُنُوَّةِ، مِن نَفقةٍ وتربية وميراث، أما إذا لم يدَّعِ أحدٌ نسبه، فإنه يظلُّ بيد المُلتقط، تكون له وِلايته وعليه تربيته، ونفقتُه في تلك الحالة واجبة على بيت المال، يُنفق عليه وهو في يَدِ المُلتقط، واللقيط أحقُّ بالعطف والرعاية مِن كل ذي حاجة سواه".
ووفقا للفتوى عينها "أما إذا لم يدَّعِ أحدٌ نسبه فإنه يظلُّ بيد المُلتقط، تكون له وِلايته وعليه تربيته وتثقيفه بالعلْم النافع في الحياة، أو الصَّنْعَة الكريمة المُثمرة، حتى لا يكون عالةً على الأُمَّة، ولا مَنْبَعَ شقاء للمجتمع، ونفقتُه في تلك الحالة واجبة على بيت المال، يُنفق عليه وهو في يَدِ المُلتقط، ويكون الملتقط مسؤولا عنه في كل ما يحتاجه وينفعه من عملٍ وتوْجيه".

"الافتاء": ارضاع الطفل اللقيط من امرأة يجعله ابناً لها بالرضاعة

إلى ذلك أكد مدير العلاقات العامة والتعاون الدولي في دائرة الافتاء، المفتي حسان أبو عرقوب، أن "ارضاع الطفل، دون الحولين (عامين) خمس رضعات متفرقات، من لبن امرأة متزوجة أو غير متزوجة يجعله ابناً لها من الرضاعة، سواء ثار اللبن بنفسه، أو بتعاطي أدوية".
جاء ذلك، ردا على سؤال لـ"الغد"، حول مدى أحقية رجل باحتضان طفل لقيط، رضع من حليب زوجة هذا الرجل.
وتابع "يثبت الرضاع بلبن امرأة آدمية، خليّة (غير متزوجة) أو مزوجة، حية مستقرة، حال انفصاله (الحليب) منها، وبلغت تسع سنين"- (مغني المحتاج)، وقال ان الحرمة بالرضاع "تثبت للمرضعة وحدها، إن لم تكن مزوجة، وإن كانت مزوجة وثار اللبن بغير سبب الزوج (بتعاطي الأدوية مثلاً)، فالمرأة هي أمُّه من الرضاع، وتصبح الرضيعة ربيبة لزوج المرضعة من الرضاع، بعد دخوله بالمرضعة، لقوله تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) النساء/33.
وشدد أبو عرقوب على انه "لا يجوز أن نفترض في أي من هؤلاء الأطفال، أنه نتيجة عمل خاطئ، أو ما يسميه العامة (أبناء حرام)، فظروف الناس كثيرة، ومن لا يُعرف له أب أو أم، فهو بريء يجب أن يُحترم، حتى لو ثبت خطأ أبويه، فإن الله تعالى يقول: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164".
وتابع: "كل إنسان يولد بريء الذمة، وله صفحة بيضاء عند الله تعالى، لا يسجل فيها إلا ما يعمله بعد البلوغ، وهؤلاء الأطفال هم براء- بكل معنى الكلمة -، ويجب معاملتهم بالحسنى كما يعامل كل الأطفال".
وزاد: "من ليس له معيل معين، ينفق عليه، تجب نفقته على المجتمع بشكل عام، سواء قامت بذلك الدولة من مال الخزينة، أو قام به أبناء المجتمع، وإذا أهملوا النفقة فإن المجتمع كله يقع في الإثم، لذا فإن قيام جمعية أو أفراد برعايتهم هو قيام بفرض كفاية، يرفع الحرج عن المجتمع كله".
وبين: انه "لا فرق بين هؤلاء الأطفال وبقية الأيتام، من حيث ثواب الإنفاق عليهم، وثواب رعايتهم، وكلنا يحفظ الحديث الشريف: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا -وقال بإصبعيه السبابة والوسطى-، ويجوز إعطاء القائمين على رعاية هؤلاء الأطفال من أموال الزكاة والصدقات، إذ يعتبر القائمون على رعايتهم وكلاء عن المزكي والمتصدق في إيصال الزكاة إلى مستحقيها".

[email protected]