مطلوب تحرك اقتصادي

سلامة الدرعاوي

عام ونصف على مرور جائحة كورونا التي جعلت الاقتصاد الوطني أسيراً لتداعيات هذا الوباء الذي عطل موارد الدولة، وضرب بسياساتها وفرضياتها المالية بعرض الحائط، مما ساهم سلباً في ارتفاع عجز الموازنة وزيادة المديونية نتيجة الاقتراض الداخلي والخارجي معاً.اضافة اعلان
جميع المؤشرات تدلل على ان هناك انفراجا نسبيا وتدريجيا بدأ يحدث في مواجهة الوباء، والأيام القادمة ستشهد حتماً انفراجات أكيدة من كابوس الحظر بأشكاله المختلفة، مما يحتم على الدولة بمؤسساتها المختلفة الإعداد لمرحلة ما بعد كورونا، وذلك حتى تتضافر الجهود لتحقيق أقل ما فيها النمو المستهدف في العام الحالي وهو 2.5 %، وهو ليس هدفا صعب المنال إذا ما عادت القطاعات الاقتصادية للعمل بشكلها الطبيعي خاصة القطاع السياحي والمؤسسات المساندة له، إضافة إلى النقل بكافة أشكاله، لكن هذا يتطلب من الحكومة تحركا اقتصادياً استباقيا وفق خطة منظورة تدعم أولاً وأخيراً عمل القطاع الخاص، وهذا يكون باتجاهات عديدة وهي:
أولا: الاستفادة من الدعم الدولي المتوفر في المؤسسات الاقتصادية العالمية مثل البنك الدولي والاتحاد الأوروبي المخصص لدعم القطاع الخاص، وتجاوز تداعيات كورونا عليه، ويكون ذلك بإعداد ملف كامل عن آثار الجائحة على القطاع الخاص خلال الفترة الماضية والمقترحات بالنهوض بأنشطته المختلفة، ومن ثم الاتصال المباشر مع المعنيين في تلك المؤسسات الدولية للاستفادة من تلك المنح.
ثانيا: إصلاح القطاع العام وتطوير إداراته المختلفة، وجذب الكفاءات الإدارية له واستقطابها، وإيقاف المهزلة التي ولدتها خطط إعادة هيكلة القطاع العام التي أدت إلى هروب اصحاب الخبرات منه، وإلغاء حصرية ديوان الخدمة المدنية بالتعيينات والعودة إلى ما كان عليه القطاع العام قبل العام 2011 مع بعض التبويب لعدد من أنظمة العمل الرسمي.
ثالثا: إعداد حزمة مشاريع كبرى وفق مبدأ الشراكة بين القطاعين واتخاذ خطوات جريئة في هذا المضمار والخروج من حالة الرتابة الإدارية المحيطة بالجو العام في البلاد.
رابعا: ثورة إدارية حقيقية بالعملية الاستثمارية تشمل تعديلا حقيقيا وجوهريا على قانون الاستثمار حتى يعطي جاذبية لأي مستثمر للقدوم للمملكة، مصحوبا بتطوير نوعي على هيئة الاستثمار من كُل النواحي الإدارية التي تمكنها من القيام بدورها في عمليات جذب الاستثمار وتسهيل الإجراءات على رجال الاعمال.
خامسا: إطلاق حملة ترويجية للاقتصاد الوطني وقطاعاته المختلفة من سياحة وصناعة وتجارة وتشريعات تخدم بيئة الأعمال لاستقطاب رؤوس الأموال للمملكة في هذه الفترات تحديداً، فهناك الكثير من الصناديق الاستثمارية الباحثة عن مواطن لها وكل ما تحتاجه هو الاتصال بها بعد ان تكون الدولة بمؤسساتها المختلفة أعادت ترتيب بيتها الاقتصادي الداخلي ووضع خريطة اقتصادية تقدم للمستثمرين ورجال الأعمال بشكل واضح ومؤسسي ومستدام.
مطلوب تحرك اقتصادي سريع من الحكومة والفريق الوزاري الاقتصادي تحديداً، وان يكون هو المبادر والمستعد بالخطط والسياسيات لمرحلة ما بعد كورونا لا ان يبقى متفرجا بانتظار المفاجآت وتداعيات الاقتصاد عليها، حينها لن ينفع أسلوب الفزعة في إدارة الاقتصاد، فدول الجوار في حالة تسابق في جذب المستثمرين وتسهيل مهامهم وتقديم كُل التسهيلات والحوافز لهم، ولنا في مصر وتركيا أكبر عبرة على تلك الجهود المتسارعة لتنمية اقتصادياتها وتجاوز كورونا وتداعياتها.