مظلومون بسبب غيرهم أو نظرة المجتمع

قد نتفهم أن شخصا ما ارتكب خطأ استحق عليه عقوبة سجن، بأن يكون عرضة لنظرة مجتمعية دونية، مع أنه قد يكون ذلك الخطأ غير جسيم. لكن ما لا يتقبله عقل ولا منطق ولا دين، هو أن تعاني عائلات المساجين وصمة اجتماعية، بحيث يواجه أفرادها غير المقترفين لذنب الإقصاء والرفض الاجتماعي، وبما يؤثر على مستقبل الأبناء ذكوراً وإناثاً.اضافة اعلان
فمثل هذه الأسر أحوج ما تكون لرعاية واهتمام، أو على الأقل عدم تحميلها وزر غيرها وأخطائه. ورب العزة يقول في كتابه العظيم "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، فما بالنا نحن البشر نبالغ في ذلك ونجردهم حتى من إنسانيتهم؟!
أكاد أجزم أنه لا يوجد واحد في المجتمع الأردني تقدم لخطبة فتاة والدها محكوم عليه بالسجن، حتى لو كان لخطأ بسيط، أو لظروف حياتية قاهرة فوق طاقته، أجبرته على ذلك؛ كتوقيع شيك بلا رصيد ليس القصد منه النصب والاحتيال بل ربما سببه شراء لقمة عيش لأبنائه.
ألا يعي المجتمع أن عائلات المسجونين تعاني المرارة تلو المرارة في سبيل تدبير أمورها الحياتية والمعيشية، لتأمين حاجيات البيت الأساسية من غذاء وتعليم وصحة وأجرة بيت والتزامات أخرى قد ترتبت عليهم جراء دخول رب الأسرة السجن. وكأن لسان حال تلك العائلات يقول بأنها مسجونة طالما المسؤول عنها خلف القضبان؟
فكثير من العائلات الأردنية يكون رب الأسرة هو المعيل الوحيد لها، ولا يوجد لها مصدر رزق آخر ولا مورد مالي غير ذلك الذي يتأتى من قبل معيلها، فضلاً عن أن أبناء المسجون يكونون عرضة للتسرب المدرسي أكثر من أقرانهم الذين لديهم من ينفق عليهم، هذا بالإضافة إلى النظرة الدونية من قبل أقرانهم لمجرد أن الأب مسجون لا بل موقوف على ذمة قضية ما.
وما يدلل على ذلك دراسة للمدير التنفيذي لجمعية الرعاية اللاحقة للسجناء وأسرهم عبدالله الناصر، أكدت أن "70 % من أسر السجناء، ليس لديها مورد مالي، فيما بلغت نسبة تسرب أبناء السجناء من المدارس 13 %".
فمعظم أسر السجناء، وبعد أن يتم التخلي عنها حتى من أقرب الناس إليها، تواجه تحديات لعل من أكبرها وأهمها مسؤولية رعاية العائلة وبشكل كامل، من مأكل وملبس وتعليم وصحة وتأمين سكن، إذ الغالبية من أبناء الوطن يسكنون في بيوت مستأجرة.
ويزداد هذا التحدي تعقيداً إذا كانت الأم أو ربة المنزل لم يسبق لها العمل، وليس لديها حرفة أو شهادة تستطيع العمل من خلالها. كما يزداد الظرف صعوبة إذا كان هناك في الأسرة أطفال صغار أو رُضع، فهم بحاجة إلى الأم التي ستضطر لعدم التواجد في البيت لساعات طوال في سبيل تأمين قوت يومها لها ولأسرتها.
صحيح أن هناك جمعية الرعاية اللاحقة للسجناء وأسرهم، تقدم دورات تأهيل مهني ودعم نفسي واجتماعي لأسر المسجونين، لكن ذلك لا يكفي. إذ يجب على الحكومة أن تقوم بهذه المهمة، بشكل أكبر وأوسع وأشمل، بحيث تغطي مختلف مناطق المملكة، من قرى وبواد ومخيمات ومدن، ومن خلال إنشاء جمعيات مماثلة لذلك.
كما يجب على وزارة التنمية الاجتماعية، من خلال صندوق المعونة الوطنية، أن لا توقف المعونات الشهرية التي تمنحها لأسر المسجونين بمجرد خروج رب العائلة من السجن؛ فهو يحتاج إلى وقت ليس بقليل لكي يحصل على فرصة عمل، خصوصاً وأننا في مجتمع يبالغ كثيرا ويسرف في التفكير قبل أن يقدم على قبول وظيفة لشخص مسجون.
يجب على جميع الجهات المعنية، حكومية وخاصة، إعداد الخطط ووضع آليات لتنفيذها، في سبيل مساعدة تلك العائلات على مواجهة المجتمع وإعادة الاندماج من جديد، كي لا يكون أفرادها عرضة للانجذاب إلى منظمات إرهابية أو تبني أفكار متطرفة، لاسيما أن الدراسات تؤكد أن أوضاع أسر المسجونين صعبة، وتزداد سوءا مع طول مدة محكومية راعيها ومعيلها.