معادلة قاتلة

بالأمس القريب أعلنت قائمة القبول الموحد في الجامعات للناجحين بالدورة الشتوية لامتحان التوجيهي، وسط فرحة غامرة بالإنجاز! ومن لم يتمكن من الحصول على مقعد تنافسي سارع إلى التسجيل بالجامعات من خلال البرنامج الموازي.اضافة اعلان
في المحصلة كل الناجحين بالتوجيهي رزقوا بمقاعد جامعية، أغلبها بتخصصات راكدة لايطلبها سوق العمل.بالنتيجة، نضيف بعد أربع سنوات آلافا من الشبان إلى صفوف العاطلين عن العمل، وفي الوقت ذاته تستمر العمالة الوافدة بالتدفق لسوق لعمل لتملأ الوظائف المطلوبة فعليا.
معادلة قاتلة أوصلتنا لنقطة حرجة، تحولت مع مرور الوقت لمصدر جدي يهدد الأمن والاستقرار الاجتماعي في البلاد.
الحكومات تحركت متأخرة سنوات، والناس لم يظهروا بعد القدر المطلوب من الاستجابة لتحديات السوق. أما القطاع الخاص المنوط فيه حصرا استيعاب طالبي العمل، فيعاني من صعوبات جمة، لم تفلح الحكومات المتعاقبة بمعالجتها بشكل جذري.
وفرت الحكومة الحالية مايمكن أن نعتبره إطارا جيدا للتعامل مع تحدي البطالة، وفتحت الباب لخلق وظائف جديدة تعهدت بها، وتبنت برامج تأهيل وتدريب تساعد المتعطلين على تطوير مهاراتهم بما يتناسب وحاجات سوق العمل.
لكن تراكمات السنوات الطويلة لا يمكن معالجتها فورا، وفي وقت اضطرت فيه الحكومة لتبني سياسات ضريبية تعيق تحفيز القطاع الخاص وتضعف قدرته على التوسع وخلق فرص عمل جديدة. أما المشاريع الاستثمارية الكبرى فما تزال حبرا على ورق، ويتطلب تحريكها زمنا غير قليل.
في مجال الانتقال من التعليم الأكاديمي إلى المهني، ما تزال خطواتنا خجولة ومترددة، فأبواب الجامعات كما ذكرنا مشرعة لجميع التخصصات الأكاديمية، ولم نشهد بعد هيكلة جدية للتخصصات الجامعية، أو انتقالا عمليا لكليات مهنية وتقنية، تواكب متطلبات السوق.
ثمة تغير ملموس في ثقافة العمل لدى الشباب الأردنيين، يتبدى ذلك بالإقبال على العمل في مهن لم تكن مرغوبة سابقا،والاتجاه لتأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة تدر دخلا معقولا وتشغل بضعة شباب في نفس الوقت.
هذا القطاع ما يزال بلا رعاية كافية، رغم توفر النوافذ التمويلية والخدمات الاستشارية. ومع قدر من الجرأة يستطيع آلاف الشبان المغامرة بمشاريع صغيرة مدرة للدخل بدل انتظار وظيفة لا يكفي مدخولها سد الحاجات الأساسية.
يحتار المرء أحيانا في تفسير بعض الظواهر، حين تجد شابا سوريا وقد افتتح مطعما صغيرا أو ورشة فنية متواضعة وحقق نجاحا كبيرا، بينما تغلق من حوله محال يملكها أردنيون. والأمر ذاته ينسحب على العمل بمهن البناء والخدمات العامة.
المسألة في اعتقاد الخبراء هي امتلاك المهارة وحسن الإدارة، وبناء شبكة قوية من الزبائن بالاعتماد على طرق التواصل الحديثة، التي يبدع الأردنيون في استخدامها للعلاقات الشخصية والتعبير عن الآراء السياسية!
البطالة ليست أزمة أردنية نادرة، إنها مشكلة معظم المجتمعات النامية، وتزداد بشكل ملموس مع تراجع قدرات الاقتصادات الوطنية، والأزمات العالمية. لكن مهما بلغ تأثير هذه التحولات إلا أن هناك حلولا داخلية ممكنة، تبدأ بالسياسات، وتمر بالتنفيذ، ولا تنتهي عند مواجهة تحدي الثقافة السائدة. وفي كل الأحوال المشكلة تبدأ وتنتهي بالتعليم.