معان: العزاء على المقابر أو ليوم واحد لتخفيف الكلف المالية

حسين كريشان

معان- بدأ غالبية سكان مدينة معان يلتزمون بمبادرة عفوية وذاتية، أطلقت منذ عامين بشكل فردي "العزاء على المقابر"، لكنها سرعان ما تحولت إلى ظاهرة للتخلص من اعباء الموروث والتقليد الاجتماعي، الذي يرافق بيوت العزاء، تخفيفا من الآثار الاقتصادية والنفسية التي تثقل كاهل عائلة المتوفى.اضافة اعلان
فيما لجأ البعض الآخر من سكان المدينة إلى الالتزام باقتصار أيام العزاء الثلاثة على يوم واحد فقط، تقدم فيه القهوة السادة والمياه والتمور، بخلاف ما كان معهودا في السنوات القليلة الماضية التي كان يقدم فيها الطعام للمئات من المعزين في اليوم الأول بعد الدفن، ويتبعها عشاء في اليوم الثالث واستئجار الصيوان ( الخيمة) وتوابعه من مستلزمات طيلة فترة العزاء، التزاما بالعادة المستحدثة في إقامة طقوس العزاء وتجنبا للانتقادات الاجتماعية.
وساهمت الظروف الاقتصادية وتردي الحياة المعيشية للمواطنين في المدينة بإلغاء العديد من العادات والتقاليد المجتمعية والتي كانت راسخة منذ فتره طويلة، خاصة المتعلقة بمراسم وطقوس بيوت العزاء لارتفاع كلفة مستلزمات إقامتها، فيما بقيت خدمات تجهيز الجنائز والدفن وحفر القبور حاضرة بقوة لم تتغير، لإخضاعها لنظام " الفزعة" لطلب الأجر.
وما تزال عادة دعوة عائلة المتوفى وما يسمى بـ " غداء المجبرين" موجودة وصامدة في وجه الظروف والمتغيرات إذ يتسابق الجميع لأخذه عند أحد الأشخاص، وتستمر لثلاثة أيام أو أكثر.
 ويرى السكان أن تغييرات كثيرة أصابت أنماط المواساة في العزاء منذ بداية التسعينيات، فيما البعض من العادات قد تلاشت منذ العقدين الماضيين والتي كانت تثقل كاهل عائلة المتوفى وتحملهم أعباء مالية باهظة، ومنها عادات ما يسمى بـ"عشاء الميت (الونيسة) والتهليلة والأسبوعية وحتى انقضاء الأربعينية " بعد الوفاة.
وكان بعض المعزين يتوافدون إلى بيت العزاء ومعهم السكر والأرز أو القهوة، فيما أختفت ظاهرة فتح بيوت للعزاء بأيام الأعياد للمتوفى بأول عيد يمر على وفاته، لما له من تجديد الأحزان على أهل المتوفى ويتعارض مع الحكمة من العيد وفرحته.
وبين الناشط الاجتماعي أشرف كريشان، أن العادات التقليدية والمتعلقة في بيوت العزاء توقفت تدريجيا خلال العام الماضي والحالي في مدينة معان، وتم اقتصار أخذ العزاء على المقبرة فقط دون فتح بيت للعزاء، فيما البعض الآخر من السكان قد اقتصر العزاء على يوم واحد، لافتا أن هذه العادات المستحدثة جديدا كسرت التقاليد الاجتماعية في السنوات السابقة، والذي كان يمتد فيه فتح بيوت العزاء إلى ثلاثة أيام وأكثر، وما يرافقه من حجز صيوان (خيمة) واستئجار كراس وإضاءة ومياه وقهوة وتمور وولائم طيلة فترة العزاء لاستقبال المعزين.
وشدد على أهمية الالتزام بأية مبادرة عفوية وايجابية من شأنها التخفيف من المظاهر الاجتماعية المرهقة والمكلفة، وبانها أمر إيجابي وخطوة جيدة رحمة بالأسر ومراعاة لظروفها المعيشية الصعبة وتحد من الاسراف والمبالغة في مثل هذه المناسبات.
 ويقول محمود الفناطسة، إن المدينة شهدت تغیرات أصابت أنماط العزاء والمواساة، خاصة في ما يتعلق بمظاهر إقامة وتقبل العزاء بهدف التخفيف على عائلة المتوفى وتوفير النفقات المالية المبالغ  فيها، مبينا أن نمط العزاء في الماضي كان یشكل عادات في العزاء مخالفة للشريعة عندما يتعلق الأمر بمظاهر تقبل العزاء وكان البعض منها يفقد روح التعاضد والتضامن ومضمون المواساة، بسبب التقاليد الاجتماعية التي تزيد أحيانا عن المعدل المقبول وتصل الى حد ما يصفه البعض بـ "النفاق الاجتماعي" خوفا من الحديث عن تقصير لجلب كافة مستلزمات العزاء للمعزين.
 وقال سليمان البزايعة إن الغالبية من السكان وبسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ليس بمقدورهم دفع مبالغ إضافية من أجل مراسم عزاء فرضتها التقاليد الاجتماعية السابقة وتحميل عائلة المتوفى وذويه تبعات مادية كبيرة توقعهم في الاستدانة للإيفاء بمستلزمات متطلبات العزاء، ما دفع الجميع لإلغائها بسبب ارتفاع تكاليفها، مؤكدا على أن واجبات المشاركة وتقديم العزاء بين سكان المدينة ما تزال حاضرة بقوة تربط الجميع وتوحد بينهم، معتبرا أن هذه المناسبة واجب ديني مقدس في التخفيف من الأحزان وكسب مودة وأجر عظيم، إلى جانب أنها مناسبة ونمط مبني على التعاضد والتكاتف والمواساة وتسهم في تقوية أواصر العلاقات الاجتماعية.