معان: تبادل المأكولات الرمضانية موروث تكافلي لم يصمد بوجه "كورونا"

حسين كريشان

معان – غيبت تداعيات أزمة كورونا أهم وأبرز موروث تكافلي اجتماعي، لتبادل أطباق من المأكولات فيما بين سكان مدينة معان، قبل موعد الإفطار في شهر رمضان المبارك.اضافة اعلان
إذ كان يتسابق الأطفال قبل الجائحة كل يوم خميس من الشهر المبارك على توزيع وتبادل أطباق من المأكولات بين السكان، في طقس يحب المعانيون تسميته بـ"الفضيلة"، مجسدين بذلك أجمل صور التكافل الاجتماعي.
يأتي ذلك تحت وقع الظروف الاقتصادية من ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الرئيسة، وحظر التجول الجزئي، التي أدت إلى ضبط سلوك الإنفاق الشرائي اليومي لدى غالبية الأسر في مدينة معان، والعودة إلى الأكلات الشعبية التقليدية المنخفضة الثمن.
وفرضت أزمة كورونا وارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية وتوقف أصحاب المهن الحرة من الذين فقدوا مصادر دخلهم، إضافة الى بعض العائلات التي توقفت أيضا أعمال عدد كبير من معيليها، بسبب تداعيات الجائحة، تأثيرا واضحا وتغييرات متعددة طغت على أهم الموروثات الاجتماعية التقليدية، التي كانت جزءا من المظاهر المحببة والمألوفة لدى أبناء المدينة، في الشهر الفضيل.
فقد لجأت بعض العائلات في المدينة إلى تغيير أنماط الغذاء داخل المنازل، من خلال التوازن والاعتدال في ترشيد الإنفاق الاستهلاكي في المواد التموينية، وابتعادهم عن الكماليات واعتماد الحاجيات الأساسية القليلة التكاليف، بعد أن حرمت هذه العائلات التي تعتمد على الأجر اليومي من التسوق وشراء احتياجاتها الضرورية، بسبب اغلاق جميع مواقع العمل.
ويشير سكان بالمدينة إلى أن "الفضيلة" كانت تعد جزءا من التقاليد والعادات الرمضانية التكافلية التي ورثها أهالي المدينة عن أجدادهم، مشيرين إلى أن الجميع يحرص على إحيائها كل يوم خميس طيلة الشهر الفضيل، لتكون المحصلة عشرات الأطباق المتنوعة من المأكولات في كل منزل، حيث يتساوى الغني والفقير بنفس الوجبة.
وتزخر مائدة "الفضيلة" الرمضانية المعانية بأكلات: (المجللة المعانية، والأرز الحامض، وفطيرة السكر، والرقاقة، والشيشبرك، والكبيبات، والمحاشي بأنواعها، ورز مع شعرية وبجانبها "مذبله" والمجدرة، والرشاش الاوزي وشوربة العدس، أضافه إلى الأكلات اليومية التي يقبل عليها الجميع كما في منسف اللحم والدجاج، والبخاري، والقدرة الخليلية، والمقلوبة، والكبسة)، وغيرها من الأصناف الأخرى.
ويؤكد الباحث والمؤرخ  محمد عطالله المعاني، أن جائحة كورونا وظروف الحظر والإجراءات الاستثنائية التي يمر فيها الوطن والظروف الاقتصادية وارتفاع بعض السلع الاستهلاكية الغذائية، أجبرت العديد من العائلات في المدينة على الاستغناء عن أحد أبرز مشاهد طقوس شهر رمضان بالنسبة إلى الأطفال وهو موعد "الفضيلة"، والذي يأتي كل يوم خميس طيلة الشهر المبارك، عندما تكتمل بهجة الأطفال وهم يخرجون إلى الأحياء السكنية داخل الحارات والطرقات، في كرنفال احتفالي وحركة دؤوبة قبل موعد الإفطار، يطرقون أبواب منازل الأقارب والجيران لتبادل الأطباق المأكولات، ما يوفر المائدة المنوعة الشاملة لكافة أصناف الطعام، بحيث يتساوى كل بيت في وجبة موحدة تذوب معها الفوارق الاجتماعية.
ويقول رجل الأعمال عامر كريشان، إن أجواء شهر رمضان الحالي تختلف عن سابقاتها، نتيجة الإجراءات الاحترازية المتخذة لمنع تفشي فيروس "كورونا"، ولعل من أبرز المظاهر التي ألقت بظلالها الثقيلة على أجواء الشهر الفضيل، حظر التجول والذي افقد المدينة مبادرات موائد الإفطارات الجماعية، وتبادل الأطباق الرمضانية بين السكان والتي كانت تنتشر في المدينة، في مشهد يعمق روح هذا الشهر المبارك في نفوس المواطنين.
ويشير محمود آل خطاب، إلى أن العديد من الأسر في مجتمع المدينة أصبح لديها زيادة في الوعي، حيال كيفية التوازن والاعتدال في إنفاق واستهلاك الموارد، من خلال تغيير النمط الحياتي الحالي داخل المنزل، حيث إن الأسر أصبحت تقارن بين الأسعار وتختار المنتج الأقل كلفة والأكثر حاجة إليه، مبينا أن المدينة شهدت تحولات غير مسبوقة في طقوس اجتماعية واقتصادية، نتيجة التباعد الاجتماعي، نظراً لجائحة كورونا، والتي أحدثت تغييرات في العادات وطقوس الموروث الاجتماعي التكافلي، حيث إن بعض طقوس رمضان اختفت، فيما أخرى غابت عنها روح رمضان.
وبين سليمان الخطيب، ان المواطنين أصبحوا يعيشون يوما بيوم، خاصة وأن بعض أرباب الأسر فقدوا أعمالهم، وذلك ليتمكنوا من الاستمرار اقتصاديا، من خلال ازدياد الطلب على الأغذية الأساسية التي يمكن حفظها لوقت أطول، وأن الغالبية اعتمدوا على استبدال اللحوم المجمدة باللحوم البلدية لارتفاع أسعارها، لكونها اقل كلفة نتيجة تراجع القدرة الشرائية، بسبب الأزمة الاقتصادية التي خلفها انتشار الفيروس.