معان .. لا تحتمل السكوت!

ما يزال الغموض يلف ما يحدث في مدينة معان، وما تزال الروايات متضاربة وسط صمت وتعتيم حكومي، وهو ما يمنح بيئة خصبة للاشاعات وتبادل الاتهامات.
وحتى الآن هناك غصة مؤلمة في القلب لأن المعالجات الأمنية مهما كانت محترفة وحازمة ستظل قاصرة عن نزع جذور المشكلة.اضافة اعلان
هناك مسلّمات علينا أن نتفق عليها، وأن نطرحها، ونعيد تأكيدها، أهمها أن الجميع تحت مظلة وسيادة القانون، ومن غير المقبول أبداً إعطاء حصانة  من المساءلة لأي شخص مهما كان، والأهم أن لا نقبل بأن تظل هناك جيوب في الدولة خارج سلطة القانون، وكذلك لا نقر بأي حال حرق ممتلكات الدولة كوسيلة للتعبير عن الاحتجاج.
يترافق مع هذا الطرح التأكيد أيضاً بأن احترام حقوق الإنسان للمجتمع، أفراداً وجماعات، غير قابل للتفريط، ولا يجوز تقديم عذر يبيح انتهاك هذه الحقوق في سياق أي إجراء، أو تصرف أمني، وعلى الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، ونقصد هنا الأمن والدرك، اتباع هذه الإجراءات وهم يطبقون سلطة القانون.
ونعود لنسأل: لماذا معان، وماذا حدث فيها، ولماذا هي البؤرة الساخنة التي تؤرق الدولة والمجتمع؟.
ونكمل الأسئلة، بأسئلة أخرى جديدة؛ هل القضية مرتبطة فقط بخارجين على القانون يتحصنون داخل أحيائها، هل لها علاقة بتجذر "السلفية الجهادية" بتعبيراتها "القاعدة"، وتنظيم "النصرة"، وحتى "داعش"، أم أن الأمر يتعلق بتجارة السلاح والمخدرات؟.
وبعيداً عن ذلك؛ هل المعضلة بالأساس فقر وبطالة وتهميش وفشل كل خطط التنمية في هذه المدينة؟.
في عام 1996 بعد "احتجاجات الخبز" إبّان حكومة عبدالكريم الكباريتي، كتبت مقالاً، تعرضت بعد نشره إلى تهديدات، وأقيمت دعوى قضائية ضدي من محامين اتهموني بالإساءة للجنوب، والحقيقة أنني كنت أرى أن سياسات الحكومات على مدار عقود عودت الناس وخاصة في الأطراف على الاتكالية والاعتماد على الحكومات في تدبير شؤون حياتهم اليومية،  وأن الصمت الحكومي يقابله تحرك حازم وشديد حين تتغير قواعد اللعبة السياسية، وحين يريدون إرسال رسائل تأديب وتشذيب، وهو ما يلاقي رفضاً واستهجاناً واستنكاراً يصل حد المواجهة وحمل السلاح!.
اللافت أن نذر التوتر التي تجتمع في معان، مثل القوى الأصولية المتشددة، وتوفر السلاح بين أيدي الناس، ربما تتماثل مع مدن أخرى أردنية، ولكنني أعتقد أنه حين تجتمع في بيئة محافظة فإنها تعطيها حصانة وحماية، وتجد الدولة نفسها في مأزق من الصعب تفكيكه بسهولة!.
إن إنفاذ القانون في المجتمعات ذات الطابع المدني أكثر سهولة ويسر من المجتمعات المغلقة، فحتى الآن لم تستطع الأجهزة الأمنية أن تحقق نجاحات حاسمة في مناطق اعتبرت تاريخياً مرتعاً ومكاناً محصناً يؤوي مجرمين وعصابات منظمة وتجار مخدرات وسلاحا وسرقة سيارات، وأكثر ما كانت تفعله حملات المداهمة القبض على المطلوبين والخروج السريع من المنطقة.
بالتأكيد أن معان تحتاج إلى تنمية حقيقية تتجاوز "البروبجندا" الحكومية، وبالتأكيد أن معدلات الفقر والبطالة مرتفعة، وهذا يسلّم به الجميع، ويدركون أزمة التنمية فيها، ولكن المقلق والذي لا أعرف له إجابة، هل يبرر كل ما حدث ويحدث من أخطاء وتجاهل حكومي، حرق الممتلكات والمباني الرسمية والمواجهة المسلحة؟.
لن أوزع الاتهامات، ولن أتبنى نظرية المؤامرة، والمتيقّن منه أن هناك عجزاً عند الوجهاء العشائريين والنواب ورجالات الدولة في احتواء الأزمة، وأن دورهم التقليدي في الوساطات لم ينجح، ولذلك فالمطلوب الآن آليات جديدة لإدارة الأزمة، وحتماً ليست مقاربة أمنية، والرهانات على مبادرة ملكية لنزع الفتيل بعد أن أصبح الوضع مقلقاً ولا يحتمل السكوت!.