معبر "التنف" وسؤال السياسة الأردنية

توقف المراقبون أمام التصريحات المقتضبة لوزير الخارجية ايمن الصفدي، بمؤتمره الصحفي المشترك مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بعمان اول من امس، والتي اشار فيها إلى بحث قضية معبر التنف، الذي تسيطر عليه قوات أميركية حاليا، ودعوة الأردن إلى حوار أردني أميركي روسي حول ترتيبات "تحقق أمن حدودنا" فيما يخص التنف وأيضا مخيم الركبان، في ضوء القرار بسحب القوات الأميركية من سورية. لم يتسرب الكثير من المعلومات لما جرى بالمحادثات مع بومبيو، حول قضية "التنف"، الذي يربط سورية بالعراق، ويقع قريبا من نقطة الحدود الأردنية المشتركة مع البلدين، لكن هذه الفقرة التي وردت بالتصريحات طرحت من الأسئلة أكثر مما أجابت، وفتحت باب التكهنات والتحليلات على مصراعيه، على هامش زيارة بومبيو، التي تأتي ضمن جولته للمنطقة، ويتصدرها ملفا طمأنة حلفاء واشنطن بثبات استراتيجيتها بالمنطقة رغم الانسحاب من سورية، والسعي الحثيث لمزيد من الاجراءات لمحاصرة إيران. ثمة إيحاء ربما أثارته تصريحات الوزير الصفدي بأن ملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأميركي من "التنف" قد يكون موضع بحث على الطاولة، وأن دورا أردنيا يمكن أن يكون مطروحا بهذا السياق. هذا الأمر أعتقد أنه مستبعد تماما، لأنه أولا يتناقض مع الاستراتيجية الأردنية التي اعتمدت منذ بداية الأزمة السورية، برفض الانجرار تحت أي ظرف للمستنقع السوري، عبر إرسال قوات أردنية، وكلنا نذكر حجم الضغوط وربما الإغراءات بمرحلة ما من الأزمة لإقناع الأردن بإرسال قوات عسكرية، دون أن تنجح تلك الضغوط. لم تتغير المنطلقات والثوابت التي حكمت الاستراتيجية الأردنية برفض التدخل بإرسال قوات لسورية، بل العكس هو الصحيح، حيث تعزز الأوضاع والظروف الحالية مثل هذه الاستراتيجية والثوابت، فالأوضاع بسورية تتسارع باتجاه الاستقرار الكامل مع توسع سيطرة الحكومة السورية على أراضيها أمام تراجع "داعش" وجبهة النصرة وغيرها من تنظيمات. كذلك، فإن الدول العربية والأجنبية تتجه –كما تشير التطورات والتسريبات السياسية- إلى إعادة العلاقات مع الحكومة السورية، ما يصب بالمحصلة بهدف الاستقرار وانتهاء المشكلة الأمنية بالنسبة للسياسة الأردنية بهذا البلد، لذا فلا مصلحة للأردن تحت أي ذريعة أو لافتة بتجاوز حدوده. معبر التنف من الجانب السوري، الذي تقيم فيه الولايات المتحدة قاعدة عسكرية منذ نحو عامين، يبعد عن الحدود الأردنية عدة كيلو مترات، أي أنه يقع بين سورية والعراق، في وقت يسعى الأردن جاهدا اليوم لتعزيز علاقاته التجارية والاقتصادية مع البلدين ، لذا لا يمكن تصور الدخول بأزمة مع البلدين عبر إدخال قوات عسكرية إليه. وأيضا، فإنه وبالرغم من تحفظات وانتقادات الأردن للدور الإيراني بالمنطقة فإن ثمة اختلافات جوهرية مع سياسة أميركا وترامب بالعلاقة مع إيران، حيث تضعها الولايات المتحدة على رأس الأعداء والتحديات لمصالحها بالشرق الاوسط، فيما يسبق التحدي الإيراني بالنسبة للأردن قائمة من التحديات والأخطار الاستراتيجية الأخرى، وعلى رأسها نسف إسرائيل للعملية السلمية وايغالها بمصادرة الأراضي والحقوق الفلسطينية، ما يشكل التهديد الأكبر للمصالح العليا للمملكة. كما أن ملف التحدي الاقتصادي والبحث عن تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع العراق وسورية وأيضا عبر حدود الأخيرة إلى أوروبا، يتقدم على أولوية قرع طبول الحرب والحصار لايران. المصلحة الأردنية فيما يخص الأزمة السورية باتت ثابتة ومعلنة، ولا أعتقد أنه يمكن الخروج عليها لأسباب ذاتية وموضوعية كثيرة، وهذه المصلحة أعاد جلالة الملك تلخيصها خلال لقاء وزير الخارجية الاميركي الثلاثاء، حيث جرى "التأكيد على ضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية يحافظ على وحدة سورية أرضا وشعبا، وبما يضمن عودة آمنة للاجئين السوريين لوطنهم".اضافة اعلان