معركة الوعي

د. هاشم غرايبة

يروى عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، أنه أرسل غلاما له في أمر، وتأخر في العودة كثيرا، ولما عاد كان النبي غاضبا، لكنه لم يزد على أن قال له: "لولا خوف القصاص من الله لأوجعتك ضربا بهذا السواك".اضافة اعلان
إذا كان نبي الرحمة والرفق، يهدد خادمه المقصر بضربه بسواك لا يؤلم ضربه ولا يؤذي، لكنه يؤكد في الوقت نفسه، أن ما منعه هو الخشية من أن يقتص منه الله يوم القيامة على تعنيفه البسيط هذا لخادمه، رغم أنه يستحق العقاب، فكيف بالذين يؤذون الآخرين بما هو أكثر من الضرب بسواك هزيل؟.
واذا كان النبي الذي غفر الله ما تقدم من ذنبه وتأخر، والذي لا يظلم ولا يغل، يمكن أن يقتص الله منه على إيذاء بسيط، فكيف يطمئن من اعتاد الذنوب وأدمن المعاصي على إعفائه من قصاص الله مما يقترفه من الفظائع وعظائم الأمور في حق الناس سواء كانوا متهمين أو أبرياء. 
كيف بمن ينصبون أنفسهم وكلاء عن الله في الأرض، ويدّعون أنهم يقيمون شرعه، فيقتلون ويدمرون، ويهلكون الحرث والنسل، فيما هم يقولون عن أنفسهم إنما نحن مصلحون!؟.
الدين أنزله الله الى البشر لإصلاح أمورهم وإسعادهم في الدنيا، وليس للعقاب والزجر، صحيح أنه حرّم عليهم أمورا بيّنها بوضوح وحددها لهم بالإسم، لكنه قصر العقوبات على المخالفين بدقة أيضا، بهدف الردع وليس الإنتقام، ولدرء حدوث المفاسد.
القتل أكبر الكبائر، وقد يغفر الله للعاصي والمقصر بحق الله، لكنه لا يغفر للقاتل ولو حج سبعين حجة، أو أنفق ما في الأرض في سبيل الله، فالحياة هبة من الله أودعها الأجساد، لا يحق لأحد غير الخالق نزعها منها.
لذلك لا توجد في التشريعات الإلهية الواردة في كتاب الله عقوبات لأي جريمة بالإعدام، هنالك فقط اقتصاص من القاتل أو المفسد في الأرض، لأن في القصاص حياة للناس، والقتل هنا ليس لذاته بل لأنه أجب للقتل، أي يمنع المزيد من الجرائم.
قد يحتج البعض بآيات شرع الله فيها القتال، لكنه تعالى لم يشرع القتل في أيّ آية، والفرق كبير بين اللفظتين فالقتل فعل جرمي من طرف الفاعل يقع على المفعول به قصرا، أما القتال فمشتقة من الفعل (قاتل) على وزن فاعل والتي تعني المشاركة، أي أن القتال فعل يشترك به الطرفان وكل منهما يمكن أن يكون فاعلا أو مفعولا به، لذلك فالقتال فعل عسكري مناطه تحقيق هدف، وليس القتل مقصدا بحد ذاته، إنما هو أحد الوسائل.
شرعيا فهناك وظيفة واحدة للقتال في الإسلام وهو الجهاد في سبيل الله، وهو على وجهين: الأول هو جهاد الدفع، والهدف الشرعي منه منع المعتدي على العقيدة أو الأرض أو المال أو النفس من تنفيذ مأربه، أما النوع الآخر فهو جهاد الطلب، وهو يهدف الى حماية الدعاة المكلفين من الله بتبليغ الدعوة الى العالمين، فإن منعوا من أداء هذا الواجب فيكون جهاد الطلب لتمكينهم من تنفيذ ما كلفهم الله به.
مما سبق يتبين أن أفعال الاغتيال والتفجير التي يقوم بها البعض، معتبرين أنها أفعال جهادية، هي ليست كذلك، فهي قتل وليست قتالا أولا، بغض النظر أنها نفذت ضد مدنيين أو عسكريين، وثانيا فلا يجعلها جهادا أنها ضد نظام حكم لا يحكم بشرع الله، وثالثا: لأنها تنفذ بهدف زعزعة الأمن وإثارة الهلع بين الناس، وبالتالي فهي ليست وسيلة لتغيير نظام الحكم.
وبما أن هذه الأفعال لا تنطبق عليها مواصفات أي من الجهادين، فهي مخالفة للشرع، وحكمها مبين في قوله تعالى: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابا عَظِيما".
لذلك فمن ينالهم هذا الوعيد المرعب هم كل من اشترك في قتل الشخص المؤمن، سواء كان ذلك المسؤول الآمر بالقتل، أو المنفذ له، أو من يبرر ذلك الفعل الجرمي ويدافع عن فاعله.