معركة كوباني.. هل تذكرون القصير؟

يحمل السقوط الوشيك لمدينة عين العرب "كوباني" في قبضة تنظيم "داعش"، دلالتين مهمتين؛ لكنهما، وهنا المفارقة، لا يخصان الأزمة السورية، ولا تؤثران على مجرى الصراع المحتدم بين النظام والجماعات المسلحة.اضافة اعلان
الدلالة الأولى لسقوط المدينة تعني تركيا أكثر من سورية؛ إذ يرجح أن يدشن سقوطها فصلا جديدا من فصول الصراع الداخلي بين الأتراك والكرد.
بعد معركة "كوباني"، ستغدو دولة "داعش" جارة لتركيا. وإذا ما كانت أنقرة مستعدة للتعايش مع وضع كهذا، فإن الأكراد الذين شُردوا من ديارهم لن يستسلموا للوضع القائم؛ فقد بدأ الحديث منذ الآن عن معارك قادمة عبر الحدود التركية لاستعادة المدينة.
وفي الداخل التركي، سيتفاعل حدث "كوباني" على نحو شديد، ويأخذ أبعادا سياسية وعسكرية يجاهر بها حزب العمال الكردستاني، ومجموعات كردية أخرى.
الدلالة الثانية تخص التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والذي يشن منذ أسابيع حربا للقضاء على "داعش". فسقوط "كوباني" في ذروة القصف الجوي على معاقل "الدولة الإسلامية"، يشكل ضربة للتحالف، ودليلا إضافيا على عقم الغارات الجوية في الحد من قدرات التنظيم.
لقد حاول أركان الإدارة الأميركية استباق سقوط المدينة بالتقليل من قيمة هذا التطور. لكن تلك التبريرات لن تحجب مشاعر الخيبة على وجوه قادة التحالف.
بالنسبة للنظام السوري والمعارضة، سقوط عين العرب لن يحدث فرقا كبيرا في الصراع. وضع "كوباني" يشبه إلى حد كبير ما حصل ربيع العام الماضي في بلدة القصير السورية.
في معركة القصير، حدث استقطاب حاد؛ سوري وإقليمي ودولي، خاصة مع دخول مقاتلي حزب الله ميدان الحرب السورية. وقد أفرطت كل الأطراف في توظيف رمزية المواجهة؛ فاعتبرها الطرفان نقطة تحول في المواجهة الدائرة. أنصار النظام السوري ادعوا أن الفوز في القصير يعني كسب "الحرب ضد القوى الإرهابية". والمعارضة السورية اعتبرت المقاومة في القصير نقطة النهاية للنظام.
كسب النظام السوري بدعم حزب الله المؤثر المعركة في القصير. لكن تبين مع مرور الوقت أنه نصر بلا أي قيمة استراتيجية؛ فلا النظام انتصر على المعارضة، ولا المعارضة كتبت السطر الأخير لصالحها. استمرت الحال على ما هي عليه في سورية بلا نهاية متوقعة لحمام الدم وموجة العنف الدموي.
معركة "كوباني" ستنتهي مثلما انتهت معركة القصير؛ بلا أي تأثير على مسار الصراع في سورية. ومثلما كان تأثير القصير على الوضع الداخلي في لبنان أقوى منه على سورية، سيكون لمعركة "كوباني" تأثير مماثل على الوضع في تركيا على نحو يفوق التأثير في الحالة السورية.
تذكرون دخول حزب الله في الأزمة السورية عبر بوابة القصير؛ كانت اللحظة التي أزّمت علاقة الحزب مع المكونات اللبنانية الأخرى، وبداية لمواجهات لم تنته في طرابلس، امتدت بعد ذلك إلى بيروت على شكل سلسلة من التفجيرات الدامية والاغتيالات الموجهة.
معركة القصير أعطت إنذارا أوليا بأن الأزمة السورية في طور التحول إلى أزمة تهدد أمن واستقرار دول الإقليم برمته. لم تفلح القوى المعنية في التقاط الإشارة، أو أنها تجاهلتها. معركة "كوباني" الدائرة حاليا تعطي بالدليل القطعي أن الصراع في سورية فاض إلى خارج حدودها، وتحول إلى أزمة إقليمية، ربما تكون سورية ذاتها أقل المتضررين منها بالنظر إلى ما يمكن أن يحصل في دول الجوار.